وللاستعمار الفرنسي بتونس دعامتان: الاحتلال العسكري ومعاهدة «باردو» الناتجة عنه. ولذا نرى جميع الساسة الفرنسيين من ذوي المسئولية وجميع الحكومات تتمسك دوما بذلك الاحتلال وبتلك المعاهدة؛ أي تتمسك بكنه الاستعمار وجوهره حتى لا تفلت تونس من براثن فرنسا. وعندما يتكلمون عن الاستقلال الداخلي، فسرعان ما يحترزون ويقولون: «ضمن معاهدة باردو»، وهذا «ميتران» الداعي إلى وجوب إرضاء التونسيين يقول:
يبدو واضحا أن معاهدة باردو إذ تركت لفرنسا ميدانا خاصا مع احترام الاستقلال الداخلي للبلاد التونسية، قد وضعت بذلك قواعد قوية لإقامة نظام فيدرالي، يكون العقبة الوحيدة دون الانتشار العظيم الذي تلقاه الأماني الاستقلالية.
ثم يضيف إلى ذلك:
كان يجب التمسك باحترام معاهدة باردو وما ترتب عليها من نتائج دبلوماسية وعسكرية.
أما الاستعماريون المتطرفون وخصوصا ممثلو الجالية الفرنسية بالمغرب العربي ومن يساعدهم من علماء القانون الذين اشتهرت فرنسا بهم، كالأستاذ لويس ميلو
Louis Millot ؛ فينكرون إنكارا باتا تاما وجود سيادة تونسية، كما صرح به الجنرال أومران
Aumeran
نائب المستعمرين الفرنسيين بالجزائر في البرلمان الفرنسي في جلسة يوم 5 / 6 / 1952 قائلا:
ولم توجد أبدا سيادة تونسية لا في الواقع ولا شرعا ولا عقلا.
منطق عجيب لا يفهمه إلا المستعمرون، فكيف تعاقدت إذن تونس مع فرنسا ومع غير فرنسا قبل الحماية وبعدها بمعاهدات متعددة متنوعة؟ نعم يجيب الساسة الفرنسيون على ذلك أن فرنسا لم تتعاقد قط مع تونس، بل تعاقدت مع باي تونس فقط - وهو صاحب المملكة - وقد تنازل عن بعض اختصاصاته للدولة الحامية، فيبدلون الواقع المحسوس ويخترعون الأباطيل، ويتلاعبون بالألفاظ ليبقوا أحرارا في استثمار البلاد والتحكم في مصيرها، معتمدين في الحقيقة على القوة المجردة وحدها.
صفحة غير معروفة