تحفة الناظر وغنية الذاكر في حفظ الشعائر وتغيير المناكر
محقق
علي الشنوفي (أستاذ مُبرِّز)
الناشر
المعهد الثقافي الفرنسي - دمشق
مكان النشر
سوريا
تصانيف
السياسة الشرعية والقضاء
وقول غيره مع قول مالك في رواية أشهب وابن نافع عنه في النهي يقتضي فساد المنهي عنه.
فقد قيل إنه يقتضيه من جهة وضع اللغة لأن النهي ضد الأمر فلما كان الأمر يدل على الجواز والصحة وجب أن يدل النهي على عدمهما ووجب صدهما وهو البطلان والفساد.
وقيل إنما يقتضيه بدليل الشرع وذلك أن رسول الله صلعم قال من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد فوجب أن يرد كل بيع نهى عنه رسول الله صلعم ما لم تقترن به قرينة تدل على جوازه وأما تفرقة ابن القاسم في رواية عيسى عنه فلا يجهلها القياس لأنه جعل النهي مقتضيا للفاسد في بيع الحاضر للبادي ولم يجعله مقتضيا له في المنع من التلقي فهو استحسان ووجهه أن النهي عن أن يبيع حاضر لباد متناول للبيع نصا والنهي عن تلقي الركبان لا يتناول البيع نصا وإنما يتناول بالمعنى ولا يقوى المعنى قوة النص مع أنه قد اختلف في فساد البيع بمجرد النص وكذلك قول من قال إن البيوع المطابقة للنهي دون أن يخل فيها بشرط من شروط صحتها تفسخ ما لم تفت فإن فاتت مضى بالثمن وهو استحسان على غير قياس.
وتحصيل الخلاف في هذا النوع من البيوع أن نقول فيها ثلاثة أقوال.
أحدها: أن البيع يفسخ فيها كلها.
والثاني: أنه لا يفسخ في شيء منها.
والثالث: أنه يفسخ فيما تناول النهي فيه منها البيع نصا ولا يفسخ فيما تناوله منها بالمعنى واختلف على القول بأنه لا يفسخ هل يكون فيه حق لمن كان النهي بسببه أم لا كالنهي على تلقي الركبان وأن يبيع حاضر لباد لأن المعنى في النهي عن ذلك إنما هو لرفق أهل الحاضرة عند مالك رحه تع وجميع أصحابه. فقيل إن له في ذلك حقا وتعرض السلعة في التلقي على أهل الحاضرة في السوق بالثمن فإن قبلها وإلا ردت عليه للحق الذي لهم في ذلك ويكون المشتري في بيع الحاضر للبادي بالخيار بين أخذها وردها إن لم يعلم أن حاضرا باعها منه للحق الذي له في ذلك أيضا وقيل إنه لا حق له في ذلك فلا تعرض السلعة في التلقي على أهل السوق ولا يكون للمشتري من البادي إذا باع منه حاضر ولم يعلم خيار في ردها.
وقد حكى ابن حبيب في أن بيع الحاضر للبادي يفسخ لأن عقده وقع بما نهى عنه رسول
1 / 94