تحفة الناظر وغنية الذاكر في حفظ الشعائر وتغيير المناكر
محقق
علي الشنوفي (أستاذ مُبرِّز)
الناشر
المعهد الثقافي الفرنسي - دمشق
مكان النشر
سوريا
تصانيف
السياسة الشرعية والقضاء
أو تقررت ويعلم قدر اللحم من البطون فهو مدخول عليه جائز قلت وكذلك قال الشيخ أبو عمر بن الخاجب في مختصره الفقهي ولا يأخذ من البطن إلا بعادة وقال ابن القاسم أيكون لحم بلا بطن فما مقداره قال قد جعل الله لكل شيء قدرًا لأنها كانت عادتهم.
فعل الجزارين بتونس والقيروان وتلمسان
ثم قال البرزلي: وهم اليوم بتونس يبيعون اللحم ويعطون شيئًا من بعض البطون في الميزان على قدر الثمن في لحم البقر والغنم وهذا إذا باعه الجزارون وفي القيروان يفعلون ذلك في البقر دون الغنم وكذلك في القرى فيما يبيعونه جزافًا مكدسًا من لحوم البقر فإن تقررت هذه العادة وكان قدر كل صنف معلوما غالبا فهو جائز.
قلت وكذا تقررت العادة ببلدنا تلمسان أن ما يبيعه الجزار من اللحم يدخل في وزنه شيئا من الكرش والمصير على قدر شدة الثمن وقلته إلا أن ذلك لا ينضبط تساويه بين جميع الناس على نسبة محفوظة من كل ثمن ومثمون وإنما يختلف بحسب اختلاف من يتقى بأسه من المستضعف الذي لا ناصر له إلا الله.
فالأول يحمل القليل من الكرش وقد لا يحمل شيئا بحسب اختلاف درجاتهم والآخر يحمل الكثير في مصابته كرشا ومصرانا وما ذلك إلا من سوء دينهم وضعف يقينهم وأمنهم العقوبة بولاية من لا يتقي الله ولا يخافه عليهم فيضيع حقوق المسلمين بما يناله ينيلونه من رشوة سحت لا يسمن ولا يغني من جوع.
وقد كانت هذه الولاية من أصفى الولايات الشرعية ظاهرًا وباطنًا إذ هي داخلة في عموم ولاية القضاء بحيث إنهم قالوا لا يحتاج في عقد الولاية للقاضي إلى تنصيص عليها فلما أخرجت من دائرة الحق وانفرد بها ضعيف الدين من لا يرقب إلًا ولا ذمة في أحد من المؤمنين أدركتها كدورة الباطن والظاهر. قال الفاضل بن الأكفاني في كتابه الذي وضعه في العلوم إن علم الطب من أشرف علوم الإسلام إذ العلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان ولم يزل على ذلك الشرف حتى تعاطاه محشفة اليهود فلم يشرفها له ولكن رذل بهم وكذلك قال الشيخ ابن عبد السلام التونسي رضه إن أكثر الخطط الشرعية في زماننا أسماء شريفة على
1 / 114