تحفة الناظر وغنية الذاكر في حفظ الشعائر وتغيير المناكر
محقق
علي الشنوفي (أستاذ مُبرِّز)
الناشر
المعهد الثقافي الفرنسي - دمشق
مكان النشر
سوريا
تصانيف
السياسة الشرعية والقضاء
قال الشيخ ابن رشد رحه تع هذا كما قال لأن البيوع لا تنفك عن الغرر اليسير فهو مستخف فيها مستجاز ومن الدليل على ذلك أن رسول الله صلعم نهى عن بيع الغرر والبيع لا يوصف بأنه غرر حتى يكون الغرر ظاهرا فيه وغالبا عليه وإنما يجوز شراء الأرطال اليسيرة من اللحم المخلوط السمين بالمهزول إذا اشتراه كله فرأى ما فيه من السمين والمهزول وإن لم يعرف حقيقة ما يقع هذا من هذا إلا أن الغرر فيه خفيف يسير فأما إن كان إنما اشترى منه وزنا معلوما على أن يعطيه إياه من السمين والمهزول وهو لا يدري قدر ما يعطيه من كل واحد منهما فلا يراه حين يزنه فلا يجوز قليلا كان أو كثيرا إلا أن يقع شراؤه على أنه بالخيار حين يبرزه فيزنه.
شراء التين والعنب
وعلى هذا المعنى صورة شراء التين الأخضر عندنا على العدد لأنه لو اشترى منه من جملة تينه في التمثيل على أن يعدها له البائع أو على أن يعدها المبتاع لنفسه يختارها ولم يجز لأن البيع إن وقع بينهما على أن يعدها البائع كان غررًا لا يدري المبتاع ما يعطيه لأنها تتفاوت تفاوتا بعيدا في الصغر والكبر والنضج والطيب وإن وقع بينهما على أن يعدها المبتاع لنفسه ويختارها دخلها التفاضل وبيع الطعام قبل استيفائه لأنه مخير بين أن يأخذ الصغير أو الكبير فكان قد باع أحدهما بالآخر لا يجوز البيع في ذلك إلا على أن يكون المبتاع بالخيار حتى يعد له ما يعد فإن رضي أخذ ولا ترك.
وهذه المسألة تدل على جواز صبرتين صغيرتين مختلفتين في الجودة أو في النوع على كيل واحد فإن كثرت الجيدة غبن البائع وإن قلت غبن المشتري فإن صغرتا حتى يعلم قدر كل واحد جاز على ما قال في اللحم وهو قياسه.
قلت: فلو لم يقع شراء التين من الفكاه على العد كما ذكر ابن رشد وبيعت في الأوعية والظروف المخصوصة بها بحيث يكون اختلاف تلك الظروف لا يوقع جهلًا بحوز ما في باطن كل واحدة لتكرار ذلك على المشترين والغالب على ما في حشوها من التين التفاوت. فقال في جامع الأحكام وأما ما يفعل اليوم من تعبئة التين والعنب في القراطل والسلال فأعلاه خير من أسفله ووسطه ولكنه قريب من المناسبة بعضه من بعض وأهل الأسواق يعرفون ذلك فلا بأس به فإن خرج كذلك فلا مقال له وإن كثر الاختلاف بالرداءة فله رده إذا خرج عن المعتاد وينهى عن ذلك فإن عاد تصدق به عليه.
1 / 110