رسالة في سير النبي ﷺ في الحج والكلام على وادي محسر - ضمن «آثار المعلمي»
محقق
محمد عزير شمس
الناشر
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٤ هـ
تصانيف
[ص ٢] وفي "المسند" و"سنن الترمذي" (^١) من حديث علي: " ... ثم أفاض حتى انتهى إلى وادي مُحسِّر، فقَرَع ناقته، فخَبَّتْ به حتى جاوز الوادي". لفظ الترمذي، وقال: "حسن صحيح".
في هذه الأحاديث أن النبي ﷺ خصَّ واديَ مُحسِّر دون ما قبله وما بعده بأن قرعَ ناقتَه فيه لِتُسرِع فوق العادة، ولم يكن لذلك سببٌ طبيعي، ففهمَ الصحابة ﵃ أن ذلك لأمرٍ شرعي، وأن مثل ذلك الإسراع مشروع في ذلك المكان، ولذلك نَصُّوا عليه وفاءً بما أُمِروا به من التبليغ، وعَمِلوا به بعد النبي ﷺ، جاء ذلك عن عمر وابن عمر، وأخذتْ به الأمة، فهو سنة ثابتة.
وهل يُشرَع مثلُ ذلك الإسراع عند المرور بمُحسِّر في الطلوع إلى عرفةَ وعند المرور به في غير الحج؟ لم أجِدْ دليلا خاصًّا على ذلك، وقد يُستدلّ على عدمه بأنه لم يُنقَل أنه ﷺ أسرعَ فيه عند طلوعه إلى عرفة، وقد يُدفَع هذا باحتمال أنه عند الطلوع لم يكن قد أمر بالإسراع، فتركَه لأنه لم يكن مشروعًا حينئذٍ، أو لعله أسرعَ ولم يُنقَل ذلك؛ لأنهم لم يَعتنُوا ببيان سَيْرِه في طلوعه كما اعتنَوا ببيان سيره في نزوله، واكتفاءً بدلالة إسراعه به في نزوله على أن الإسراع فيه مشروعٌ مطلقًا. فما هذه الدلالة؟ مدارها على المعنى الذي لأجله شُرِع الإسراعُ، وفي ذلك أقوال:
الأول: أن ذلك الوادي مأوًى للشياطين، وكأن هذا مأخوذ من قصة الوادي الذي نام فيه النبي ﷺ وأصحابه عن صلاة الصبح، فلما استيقظوا وقد طلعت الشمسُ أمرهم بالخروج منه، وعلَّل ذلك بأن فيه شيطانًا،
_________
(^١) "المسند" (٥٦٢) والترمذي (٨٨٥).
17 / 514