إدارة الوقت من المنظور الإسلامي والإداري

خالد الجريسي ت. غير معلوم

إدارة الوقت من المنظور الإسلامي والإداري

تصانيف

إدارة الوقت من المنظور الإسلامي والإداري تأليف د. خالد بن عبد الرحمن الجريسي

صفحة غير معروفة

إهداء يُشرفني أن أضع هذا الجهد المتواضع بين يدي والديَّ الكرمين، وقد أهديا إليَّ من قبل كلَّ عناية، وأسديا إليّ كل تشجيع، وما عملي هذا إلا قطافٌ من فيض أيديهما. اللهم اجزهما عني كل خير، وارزقهما طول عُمُر في حُسن عمل ووافر نعمة وعافية

1 / 5

مقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، خير من أدار وقته ونظّم أموره، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحابته والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا كثيرًا. أما بعد، فإن الكفاءة والفاعلية مطلبان رئيسان في الإدارة وهما من تعاليم الدين الإسلامي؛ فالمسلم يجب أن يمارس الإدارة الجيدة في جميع شؤون حياته الدينية والدنيوية، والحقيقة أن جميع تعاليم الدين الإسلامي توجِّه المسلم وتحثُّه على حسن ممارسة هذه التعاليم وتطبيقها في صورها المعنوية والمادية كافة، فلا ينبغي للمسلم أن يمارس أنشطته المادية والمعنوية بمعزل عن تعاليم الدين؛ لقول الله ﷿: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *﴾ الأنعَام: ١٦٢، كذلك ينبغي للمؤمن أن يكون قويًا وأن يتزود بالإيمان والعلم. وإن نصوص القرآن الكريم كما السُّنَّة النبوية، والسيرة، وحياة الصحابة ﵃، كل ذلك يكاد ألا يخلو من تطبيقات الإدارة، والتوجيه إلى حُسن استغلال الموارد والقدرات والقوى البشرية، إضافة إلى التأكيد على التحلي بالصفات الحسنة؛ كالصبر والاجتهاد ومغالبة الهوى وضبط النفس والحث على العمل والتخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة. إن العلم والعمل والقيام بالعبادات أمور مطلوبة من المسلم، فعليه واجبات تجاه ربه ثم تجاه نفسه ومجتمعه، ومن أجل أن يتسنى له القيام بهذه

1 / 7

الواجبات فإنه يجب عليه أن يعطي كلَّ واجب نصيبَه من الوقت دون أن يطغى جانب واجبٍ على آخر، ومن ثمّ فإنه يكاد لا يجد أمامه متسعًا من الوقت لأداء كامل هذه الواجبات؛ فالدين الإسلامي وتعاليمه السمحة تدعو إلى حسن استثمار الوقت وإدارته بفعالية، وهذا عين ما تدعو إليه الإدارة في مفهومها المعاصر. إن الوقت يمثل أحد الموارد المهمة والنفيسة لكل إنسان في هذا العالم الكبير، فالوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، وإذا لم يحسن الإنسان استغلاله بفعالية فإنه قد يفقد الكثير مما يصعب تعويضه؛ سواء في عمله أم في حياته الخاصة، لأن ما انقضى من الوقت لا يعود أبدًا. والوقت من ذهب، بل هو أغلى من الذهب؛ حيث إنه لا يقدر بثمن، وهو يُعد أحد خمسة موارد أساسية في مجال الأعمال، هي: المواد، المعلومات، الأفراد، الموارد المادية، إضافة إلى الوقت الذي يُعدّ أكثر هذه الموارد أهمية، فكلما استطاع الفرد أن يتحكم في وقته بمهارة وإيجابية استطاع عندها أن يستثمره في تحقيق أقصى عائد ممكن من الموارد الأخرى؛ فإذا أدار الفرد وقته بشكل فعّال، فهو - في الحقيقة - يدير حياته ونفسه وعمله إدارة فعّالة. وهذا يعني أن الوقت لا يمكن عزله عن حياة الإنسان الشخصية والمهنية. ومن ثَمَّ تبرز أهمية عامل الوقت وضرورته، هذا المورد المهم الذي ينبغي التعامل معه واستثماره بفعالية، حيث أصبحت إدارة الوقت (Time Management) واحدة من ضمن موضوعات علم الإدارة الحديث.

1 / 8

وقد قام الكاتب بتقسيم محتويات الكتاب إلى مقدمة عامة عن الموضوع محلِّ الدراسة ثم أتبعها بستة فصول. احتوى الفصل الأول منها على التعريف بالوقت، وبيان أهميته في القرآن الكريم والسُّنَّة المُطهَّرة. أما الفصل الثاني فقد أفرده الكاتب لدراسة الوقت وإدارته من المنظور الإداري؛ وذلك من خلال النظريات الإدارية وإدارة الوقت داخل العملية الإدارية. أما الفصل الثالث فقد احتوى على دراسة لكيفية إدارة الوقت في ضوء نصوص القرآن الكريم والسُّنَّة المُطهَّرة وأقوال السلف الصالح. ووضح الكاتب في الفصل الرابع الواجبات الملقاة على عاتق المدير المسلم، فيما يتعلق بعامل الوقت وضرورة إدارته؛ وذلك من خلال تناوله لأهم مضيعات الوقت ومسؤولية المسلم عن الوقت. أما الفصل الخامس فقد كرَّسه لدراسة الأدوات والوسائل المستخدمة في تنظيم إدارة الوقت، إضافة إلى بيان أبرز المناهج المستخدمة للإدارة الفعالة للوقت؛ وذلك من خلال تطور تاريخي، متوصّلًا إلى بيان منهج متطور لإدارة الوقت بفعالية، معتمدًا في مادته الأولية على المناهج السابقة والدراسات الميدانية في هذا المجال. وأخيرًا تناول الكاتب في الفصل السادس والأخير من هذا الكتاب الناحية التطبيقية لإدارة الوقت؛ وذلك من خلال الدراسات السابقة في العالم العربي بعامة وفي المملكة العربية السعودية بخاصة، إضافة إلى الدراسة الميدانية الخاصة التي قام بها في القطاع الصناعي الخاص السعودي.

1 / 9

الفصل الأول الوقت وأهميته في الإسلام والإدارة

1 / 13

تمهيد: ينسب علماء الإدارة الفضل في ظهور علم الإدارة إلى المبادئ التي وضعها العالم فريدريك تايلور F. Taylor» (١) الملقب بأبي الإدارة العلمية، وقد وضع مبادئها سنة (١٩١١م) في كتاب أصدره في هذا المجال بعنوان (مبادئ الإدارة العلمية)؛ وكذلك إلى العالم هنري فايول (H. Fayol) (٢) (٢) مؤسس علم الإدارة العامة والصناعية التي وضع مبادئها في أول كتاب أصدره سنة (١٩١٦م) بعنوان (الإدارة العامة والصناعية)، ويؤكد علماء الإدارة أن المبادئ الإدارية السائدة إلى يومنا هذا قد تحددت ملامحها من خلال هذين الكتابين (٣)، وقد تناسى هؤلاء - وأخص المسلمين منهم - أن تراثنا الإسلامي غني بالمبادىء والأسس الجليلة المفيدة التي يمكن تأصيلها في مجال علم الإدارة، ولعلنا نُلمح في مباحث هذا الفصل إلى بعضٍ من تلك النصوص المستقاة من كتاب الله ﷿ وسُنَّة النبيِّ ﷺ وأقوال السلف الصالح. كذلك "ارتبط مفهوم إدارة الوقت بشكل كبير بالعمل الإداري حتى أصبح ينظر إلى تطبيق هذا المفهوم بمنظار ضيّق" (٤) . والحقيقة أن الإسلام قد اهتم بإدارة الوقت الخاص إضافة إلى اهتمامه بإدارة وقت العمل، ذلك أنه اهتم بوقت المسلم بصفة عامّة، وحثه على اغتنامه وعدم إضاعته، فهو من الأمور التي يُسأل عنها الإنسان يوم القيامة، إذ يقول النبيُّ ﷺ: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال: عن عُمُره فيمَ أفناه؟ وعن شبابه فيمَ أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه؟» (٥) ونحن نلحظ من هذا الحديث أن الإسلام يعتبر الوقت وحدة متكاملة لا تتجزأ، ويطالب المسلم باغتنام عمره بعامّة وفترة شبابه بخاصّة؛ باعتبارها فترة حافلة بالحركة والعمل والإنتاج. ومن هذا المنطلق جاء قول

(١) فردريك تايلور: ارتبطت أفكار الإدارة العلمية باسم تايلور (١٨٥٦ - ١٩١٥م)، وكان يعمل مهندسًا بإحدى شركات الصُّلْب الأمريكية، ونشر كتابه (مبادئ الإدارة العلمية) عام ١٩١١م. انظر: (عسكر، سمير أحمد، أصول الإدارة، دار القلم، دبي، ١٩٨٧م، ص ٣٦) . (٢) هنري فايول: مهندس فرنسي (١٨٤١-١٩٢٥م) استطاع من خلال عمله - كبير مهندسي شركة الحديد والفحم بفرنسا- أن يوجد مجموعة من المبادئ والقواعد الإدارية التي لا تزال تعد نموذجًا للدارسين في العالم، وقام بنشر مؤلَّفه عام (١٩١٦م) بعنوان (الإدارة العامة والصناعية) . انظر: (وتر، محمد ضاهر، دور الزمن في الإدارة، المطبعة العلمية، دمشق، دت، ص١٨. وعسكر، سمير أحمد، أصول الإدارة، مرجع سابق، ص ٣٨. وعقيلي، عمر وصفي، الإدارة أصول وأسس ومفاهيم، دار زهران، عمّان، ١٩٩٧م، ص٩٤) . (٣) انظر: البرعي، محمد عبد الله، مبادئ الإدارة والقيادة في الإسلام، مطابع الحميضي، الرياض، ط٢، ١٤١٦هـ - ١٩٩٦م، ص ١٩. (٤) القرني، عبد الله محمد، أغلى من الذهب، دار الوطن، الرياض، ط١، ١٤٢٠هـ - ١٩٩٩م، ص١٣. (٥) الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد ٢٦٠-٣٦٠هـ، المعجم الكبير، تحقيق حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط٢، ١٤٠٤هـ - ١٩٨٣م، ١-٢٥، رقم الحديث (١١١)، ج٢٠ ص٦١. والترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة ٢٠٩ - ٢٧٩ هـ، سنن الترمذي، تحقيق أحمد محمد شاكر، مكتبة ومطبعة مصطفى الحلبي، ط٢، ١٣٩٨هـ، كتاب (٣٨)، باب (١)، رقم الحديث (٢٤١٧)، ج٤ ص ٦١٢، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

1 / 15

النبيِّ ﷺ مرشدًا وموجهًا المسلم إلى اغتنام الأوقات وفرص العمر في قوله: «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابَك قبل هَرَمك، وصحتك قبل سَقَمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شُغْلك، وحياتك قبل موتك» (١) . فوقت المسلم أمانة عنده وهو مطالب بعدم التفريط فيه أو إهداره، ويتأكد هذا الأمر إذا كان ذلك الوقت قد تعلق به حق لله أو لأحد من خلقه. لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ (٢) . والوقت من أهم عناصر الإنتاج، ومن أجل بالغ أهميته هذه فقد بين لنا سبحانه أنه هو الذي قدَّر الوقت، كما في قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ (٣) . وكما أنه سبحانه قدّر الوقت، فقد قدّر إنجاز التكاليف فيه، "وبذلك نظم الإسلام حياة المسلم ووقته؛ فقد نظم نومه واستيقاظه، وأداءه للشعائر، وانطلاقه إلى ميدان الحياة، ليجعل عمله كله عبادة لله ﷿ يقوم على أساس الشعائر كلها وعلى أساس من ذكر الله الملازم له، وبذلك أصبح الوقت في حياة المسلم عبادة ممتدة، أما الوقت في الحضارة الغربية والنظرية المادية للإدارة وغيرها فإنه لا يخرج عن نطاق المثل الشائع عندهم الوقت مال Time is money) ") (٤) وإذا قارنّا هذه العبارة بقول الحسن البصري ﵀: (أدركتُ أقوامًا كان أحدهم أشحَّ على عمره منه على درهمه ودنانيره) (٥) . نستنتج عندها أن الوقت في تقدير المسلم أغلى من المال؛ ذلك أنه يدرك أن المال يمكن تعويضه بيد أن الوقت منصرم، إذا فات لا يعوض. ويقسم هذا الفصل إلى المباحث الآتية: الأول: الوقت وتحديد مفهومه. الثاني: أهمية الوقت في القرآن الكريم. الثالث: أهمية الوقت في السُّنَّة المُطهَّرة.

(١) الحاكم، محمد بن عبد الله النيسابوري ٣٢٠ - ٤٠٥هـ، المستدرك على الصحيحين، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط١، ١٤١١هـ - ١٩٩٠م، ١-٤، رقم الحديث (٧٨٤٦)، ج٤ ص ٣٤١. وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (٢) ٧. سورة النساء، الآية ٥٨. (٣) سورة المزمل، الآية ٢٠. (٤) النحوي، عدنان علي رضا، فقه الإدارة الإيمانية في الدعوة الإسلامية، دار النحوي للنشر والتوزيع، ط١، ١٤١٩هـ - ١٩٩٩م، الرياض، ص ٣٧. (٥) ابن المبارك، عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي أبو عبد الله ١١٨-١٨١هـ، الزهد، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية، بيروت، ١٤١٩هـ - ١٩٩٨م، ص٥١.

1 / 16

المبحث الأول الوقت وتحديد مفهومه إن الإدارة لا تُمارَس في فراغ، بل تُمارس عملها في إطار محدد، وهي تعتمد على عناصر محددة من أجل القيام بهذا العمل؛ ومن تلك العناصر المهمة: الوقت الذي "يعدّ أكثر المفاهيم صلابة ومرونة في آن معًا، حيث يعيش الأفراد في مجتمع واحد، وكل فرد يستخدم عبارات تختلف عن الآخر عندما تتحدد علاقته بالوقت" (١) . "إن أكثر الصور والتداعيات شيوعًا لدى المديرين عن الوقت تتمثل في أن: الوقت كالسيد الآمر (Time as a master)، الوقت كعدو (Time as an enemy)، الوقت كاللغز (Time as a mystery)، الوقت كعبد مملوك (Time as a slave)، الوقت كحَكم (Time as a referee)، الوقت كقوة محايدة Time as a neutral) ") . (٢) إن اختلاف الرؤية للوقت هي التي تحدد أسلوب التعامل معه، وهي المسؤولة عن بعض الأنماط السلوكية للناس تجاه الوقت. إن الاستخدام السليم للوقت يبين عادةً الفرق بين الإنجاز والإخفاق، ففي الساعات الأربع والعشرين يوميًا يوجد عدد محدد منها للقيام بالأعمال، وهكذا فإن المشكلة ليست في محدودية الوقت نفسه، وإنما فيما نفعله بهذه الكمية المحدودة منه. إن الاستفادة القصوى من كل دقيقة شيء مهم، لإنجاز الأعمال بأسلوب اقتصادي وفي الوقت الصحيح، فالوقت يسير دائمًا بسرعة محددة وثابتة، ومن ثمّ فإنه يتعين على الفرد أن يحافظ على الوقت المخصص له. فكمية الوقت مهمة لكن ما يفوقها أهمية هو كيفية إدارة الوقت

(١) هلال، عبد الغني حسن، مهارات إدارة الوقت، مركز تطوير الأداء والتنمية، القاهرة، ١٩٩٥م، ص ١١ بتصرّف. (٢) أبو شيخة، نادر أحمد، إدارة الوقت، دار مجدلاوي، عمان، ١٩٩١م، ص ٤٦.

1 / 17

المتاح لنا، فكلٌّ منا يمتلك أربعًا وعشرين ساعة يوميًا، وسبعة أيام في الأسبوع، واثنين وخمسين أسبوعًا في السنة، وبالإدارة الفعَّالة يمكن التوصل إلى استخدام للوقت بشكل أفضل، وإلى القدرة على الإنجاز الكثير من المهمات في كمية الوقت نفسها. "إن الذين ينظرون إلى الوقت بعين الاهتمام هم الذين يحققون إنجازات كثيرة في حياتهم الشخصية والمهنية، وهم الذين يعلمون أن الوقت قليل لتحقيق كل ما يريدون، وعلى العكس من ذلك فإن المرء الذي لا يهتم كثيرًا بالإنجازات ينظر إلى الوقت على أنه ذو قيمة قليلة" (١) . وتبقى مشكلة الوقت مرتبطة دومًا بوجود الإنسان، إذ يختلف مفهومها طبقًا لاختلاف الدوافع والاحتياجات وطبيعة المهمات والأعمال المطلوبة، كما تؤثر الثقافات والتقاليد والعادات أيضًا بصورة مباشرة أو غير مباشرة على تحديد شكل العلاقة بين الإنسان والوقت. ونظرًا لأنه من الصعب تقديم تعريف محدد ودقيق للوقت، وبخاصة في مجال الإدارة، فقد تم اللجوء إلى تعريف محايد يشير إليه قاموس (Webester's New World College Dictionary) الذي تعتمده الدراسة الحالية، وهو: "الفترة التي تُستغرق في أداء تصرف أو عملية ما" (٢) . وبناءً عليه، فإنّ المقصود بالوقت هنا فترة الدوام الرسمي للعمل. ومن أجل توضيح مفهوم هذا المورد المهم من موارد الإنتاج، فإننا سنقوم بتحديد خصائصه وأنواعه.

(١) المرجع نفسه، ص ٢٨. (٢) Webster's New World College Dictionary، OP. CIT، P.١٤٠٠

1 / 18

أولًا: خصائص الوقت: بالرغم من أن مفهوم الوقت معروف للجميع، إلا أنه يمكن من خلال تأمل سير الحياة ومطالعة أحداث التاريخ، ملاحظة أن الوقت يتميز بجملة من الخصائص، يمكن إيضاحها على النحو الآتي: "رأى بعض العلماء منذ زمن قديم أن الوقت يمر بسرعة محددة وثابتة، فكل ثانية أو دقيقة، أو ساعة تشبه الأخرى، وأن الوقت يسير إلى الأمام بشكل متتابع، وأنه يتحرك بموجب نظام معين محكم، لا يمكن إيقافه، أو تغييره، أو زيادته أو إعادة تنظيمه" (١) . "وبهذا يمضي الوقت بانتظام نحو الأمام دون أي تأخير أو تقديم، ولا يمكن بأي حال من الأحوال إيقافه أو تراكمه أو إلغاؤه أو تبديله أو إحلاله" (٢) . إنه مورد محدد يملكه الجميع بالتساوي، فبالرغم من أن الناس لم يولدوا بقدرات أو فرص متساوية فإنهم يملكون أربعًا وعشرين ساعة نفسها كل يوم، واثنين وخمسين أسبوعًا في السنة، وهكذا فإن جميع الناس متساوون من ناحية المدة الزمنية، سواء أكانوا من كبار الموظفين أم من صغارهم، من أغنياء القوم أم من فقرائهم، لذلك؛ فإن المشكلة ليست في مقدار الوقت المتوافر لكلٍ من هؤلاء، ولكن في كيفية إدارة هذا الوقت واستخدامه، ثم هل هم يوظفونه بشكل جيد ومفيد في إنجاز الأعمال المطلوبة منهم، أو أنهم يهدرونه ويضيعونه في أمور محدودة الفائدة. ونظرًا لأن الوقت مورد مهم، وهو "سريع الانقضاء وما مضى منه لا يرجع ولا يُعوَّض بشيء، كان الوقت أنفس وأثمن ما يملك الإنسان، وترجع نفاسته إلى أنه وعاء لكل عمل وكل إنتاج، فهو في الواقع رأس المال الحقيقي للإنسان فردًا ومجتمعًا" (٣) . وعليه، فإن الوقت يعتبر أساس

(١) عصفور، محمد شاكر، إدارة الوقت في الأجهزة الحكومية، ندوة الدوام الرسمي في الأجهزة الحكومية، الرياض، ١٤٠٢هـ، ص ١١٦. (٢) سلامة، سهيل فهد، إدارة الوقت: منهج متطور للنجاح، المنظمة العربية للعلوم الإدارية، إدارة البحوث والدراسات، عمان، ١٩٨٨م، ص ١٦. (٣) القرضاوي، يوسف، الوقت في حياة المسلم، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط٧، ١٤١٧هـ-١٩٩٧م، ص ١٠.

1 / 19

الحياة، وعليه تقوم الحضارة، ومع كون الوقت لا يمكن شراؤه أو بيعه أو تأجيره أو استعارته أو مضاعفته أو توفيره أو تصنيعه، لكن يمكن استثماره وتعظيمه، فأولئك الذين توافر لديهم الوقت لإنجاز أعمالهم وكذلك الوقت للتمتع بأنشطة أخرى خارجة عن نطاق العمل، قد تبينوا الفرق بين الكمية والنوعية، فهم يستثمرون كل دقيقة من وقتهم. لذا فإن "إدارة الوقت لا تنطلق إلى تغييره، أو تعديله أو تطويره، بل إلى كيفية استثماره بشكل فعّال، ومحاولة تقليل الوقت الضائع هدرًا دون أي فائدة أو إنتاج، إلى جانب محاولة رفع مستوى إنتاجية العاملين خلال الفترة الزمنية المحددة للعمل" (١) . ومع العلم بأن الوقت من موارد الإدارة الأساسية، إلا أنه يختلف عن بقيتها في عدم إمكانية تخزينه أو إحلاله، وفي كونه يتخلل كل جزء من أجزاء العملية الإدارية. ومن ثمّ فإن أهميته تكمن في أنه يؤثر - سلبًا أو إيجابًا - في الطريقة التي تُستخدم فيها الموارد الأخرى. إذا كان للوقت كل هذه الخصوصية وهذه الأهمية التي تميزه عن سواه من موارد الإدارة، فإن إدارته كذلك تختلف عن إدارة هذه الموارد. وقد لخص بيتر دراكر (P. Drucker) هذا الاختلاف بقوله: " إن إدارة الوقت تعني إدارة الذات، لأن من لا يستطيع إدارة ذاته لا يستطيع بالتالي إدارة وقت الآخرين" (٢) . وبالرغم من ذلك، فإن كثيرًا من المديرين لا يحرصون على هذا المورد الفريد من نوعه، الضروري لكل شيء، فهم يقومون بأعمال ويمارسون أنشطة تعد ببساطة مضيعة للوقت، لأنها تبدده دون أن تحقق نتائج مناسبة،

(١) سلامة، سهيل بن فهد، إدارة الوقت منهج متطور للنجاح، مرجع سابق، ص ٩. (٢) أبو شيخة، نادر أحمد، إدارة الوقت، مرجع سابق، ص ٢٥.

1 / 20

فهي تستغرق قسمًا كبيرًا من الوقت، ويكون المردود منها لتحقيق الأهداف محدودًا للغاية. لذا فإن الحل الحقيقي الوحيد يكمن في (الاستخدام الأفضل للوقت المتاح)، وينبغي للإداريين أن يتعلموا كيف يديرون عملية استخدام وقتهم. وقد لاحظ دراكر (Drucker) أن "المديرين الفعّالين لا يبدؤون بمباشرة مهماتهم، بل يبدؤون بالنظر في وقتهم، وهم لا يبدؤون بمباشرة التخطيط، بل يبدؤون بمعرفة فيم يُصرف وقتهم فعلًا، ثمّ إنهم يبذلون جهدهم للتقليل من الأعمال غير المثمرة التي تمثل عبئًا على وقتهم" (١) . ثانيًا: أنواع الوقت: يمكن تحليل الوقت عن طريق تجميع الأنشطة المتشابهة، ورؤية مقدار الوقت الذي يمضي في الجوانب المختلفة، مثل: الوقت الشخصي، والاتصالات بأنواعها مثل (المكالمات الهاتفية، والاجتماعات، والمناقشات الفردية، والزيارات، ونحوها)، ويمكن بعدها رؤية كيفية تخصيص الوقت للمجالات الوظيفية، كما يمكن أيضًا تحليل تسلسل الأنشطة، وهذا يتضمن دراسة الوقت الذي تم قضاؤه في المعوّقات أو الأشياء المعترضة. ويمكن تقسيم الوقت إلى أربعة أنواع: (٢) ١- الوقت الإبداعي (Creative Time): يوصف هذا النوع من الوقت بأنه إبداعي إذا صُرف في عمليات التفكير والتحليل والتخطيط المستقبلي، إضافة إلى صرفه في تنظيم العمل وتقويم مستوى الإنجاز الذي تم فيه، ويمارس الإداريون خلال أدائهم لأنشطتهم الإدارية هذا النوع من الوقت، نتيجة لحاجتهم إلى الوقت الإبداعي، من

(١) Drucker، P.، The Effective Executive، N.Y.: Harper and Row، ١٩٨٢، P.٢٦ (٢) انظر: سلامة، سهيل بن فهد، إدارة الوقت منهج متطور للنجاح، مرجع سابق، ص ٣١ - ٣٣.

1 / 21

أجل التفكير العلمي والتوجيه السليم، إضافة إلى معالجة المشكلات الإدارية بأسلوب علمي منطقي بهدف تقديم حلول موضوعية تضمن فاعلية ونتائج القرارات التي تصدر بشأنها. ٢ - الوقت التحضيري (Preparatory Time): يمثل هذا النوع من الوقت الفترة الزمنية التحضيرية التي تسبق عملية البدء بالعمل؛ إذ يُصرف الوقت التحضيري في عملية تجميع المعلومات والحقائق المتعلقة بالنشاط الذي يرغب الإداري بممارسته، أو في التجهيزات اللازمة من معدات أو قاعات أو آلات قبل البدء في تنفيذ العمل، ومن المفترض أن يُعطي الإداري هذا النوع من النشاط ما يحتاجه من وقت، نظرًا لآثاره الاقتصادية على المنظمة وما ينجم عن ذلك من خسارة نتيجة عدم توافر الُمدخَلات الأساسية للعمل. ٣ - الوقت الإنتاجي (Productive Time): يمثل هذا النوع من الوقت المدة الزمنية التي تُستغرق في تنفيذ العمل الذي تم التخطيط له في الوقت الإبداعي، وكذلك التحضير له في الوقت التحضيري، ومن أجل زيادة فاعلية استغلال الوقت فإنه يجب على الإداري أن يوازن بين الوقت المستغرق في تنفيذ العمل والوقت المستغرق في تنفيذ عملية التحضير والتخطيط أو الإبداع، فمن المقرر أن الوقت المتاح للجميع محدود وغير متجدد، فإذا تبيّن أن هناك كثيرًا من الوقت يخصص لتنفيذ أعمال روتينية في المنظمة، فإن ذلك يعني أن هناك قليلًا من الوقت المخصص للإبداع أو التحضير أو لكليهما معًا، وتبعًا لذلك، فقد كانت ممارسة الإداري لعملية التوازن في قضاء الوقت ضرورة مُلحة، وضمانًا

1 / 22

لاستثمار الموارد المتاحة كافّةً - بما في ذلك عامل الوقت - الاستثمار الأمثل. ويقسم الوقت الإنتاجي إلى قسمين: أ - وقت الإنتاج العادي (المنظم أو غير الطارئ) . ب - وقت الإنتاج غير العادي (الطارئ أو غير المنظم) . وإذا كانت أيّ منظمة تسير ضمن خطة الإنتاج العادي، وتتحكم - في الوقت نفسه - في الإنتاج غير العادي، فإنها تعتبر في وضع جيد، وقد يحدث أحيانًا أن يظهر إنتاج غير عادي أو طارئ في المنظمة، لكن من المفترض أن تكون هذه الحالة نادرة الحدوث ومحدودة الأثر، وإلا فإن ذلك سيكون دافعًا للمنظمة لإحداث تغيير جذري طارئ على جميع مستوياتها، من أجل مواجهة هذا الإنتاج الطارئ، ولكي ينجح الإداري في ذلك، فإن من المفترض أن يخصص جزءًا من وقته المخصص للإنتاج العادي، لمواجهة تأثير الإنتاج غير العادي، وبذلك يستطيع أن يحصل على مرونة كافية تسمح له بإنجاز الإنتاج المبرمج العادي غير الطارئ. ٤ - الوقت العام أو غير المباشر (Overhead Time): هو الوقت الذي يمارس فيه الإداري أنشطة فرعية عامة، لها تأثيرها الواضح على مستقبل المنظمة، وعلى علاقتها داخل بيئتها أو المجتمع، كمسؤولية المنظمة الاجتماعية وما تفرضه من التزامات على مديريها من ارتباطات بجمعيات أو هيئات خيرية أو تلبية دعوات وحضور ندوات؛ فإن هذه الأنشطة تحتاج إلى جزء كبير من وقت الإداري، لذلك فإنه يتعين عليه تحديد كمية الوقت الذي يستطيع أن يخصصه لمثل هذه الأنشطة، أو أن يقوم

1 / 23

بتفويض شخص معين ينوب عنه في مثل هذه الأنشطة، وذلك حرصًا منه على الموازنة بين الالتزام بها والحفاظ على وقته. وباختصار يمكن القول في هذا المجال: إن المدير الفعّال هو الذي يعلم كيف يستخدم وقته ويوزعه توزيعًا فاعلًا بين تخطيط الأنشطة المستقبلية (وقت إبداعي)، وتحديد الأنشطة اللازمة لأدائها (وقت تحضيري)، وفي صرف الكمية اللازمة من الوقت للقيام بالعمل (وقت إنتاجي)، وأن يخصص كذلك وقتًا كافيًا للقيام بالمراسلات وبأعباء المسؤولية الاجتماعية (وقت عام)؛ باعتباره عضوًا في هذا المجتمع، وممثلًا لمنظمة ملتزمة باهتمامات هذا المجتمع، كما أن المجتمع - بالمقابل - ملتزم بها.

1 / 24

المبحث الثاني أهمية الوقت في القرآن الكريم لقد أكد القرآن الكريم على أهمية الوقت مرارًا، وفي سياق مختلف وبصيغ متعددة؛ منها: الدهر، الحين، الآن، اليوم، الأجل، الأمد، السرمد، الأبد، الخلد، العصر، وغير ذلك من الألفاظ الدالة على مصطلح الوقت، وقد يكون لبعضها علاقة بالعمل وطرقه، أو له علاقة بالإدارة وتنظيمها، أو تعلق بالكون والخلق، أو ارتبط بعلاقة الإنسان بربه من حيث العقيدة والعبادة، ويمكن تلمّس ذلك من خلال ما يأتي: أولًا: الوقت من أصول النعم إن نعم الله على العباد لا تعد ولا تحصى، قال جل شأنه: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا﴾ (١) . ومن أَجَلِّ تلك النعم وأعظمها نعمة الوقت، الذي هو من أصول النعم، فالوقت هو "عمر الحياة، وميدان وجود الإنسان، وساحة ظله وبقائه ونفعه وانتفاعه، وقد أشار القرآن إلى عِظم هذا الأصل في أصول النعم، وألمح إلى عُلوّ مقداره على غيره، فجاءت آيات كثيرة ترشد إلى قيمة الزمن ورفيع قدره وكبير أثره" (٢) . يقول الله ﷿ في معرض الامتنان على الإنسان وبيان عظيم فضله عليه: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ *وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ *﴾ (٣) . "فامتن سبحانه في جلائل نعمه بنعمة الليل والنهار، وهما الزمن

(١) سورة إبراهيم، الآية ٣٤. (٢) أبو غدة، عبد الفتاح، قيمة الزمن عند العلماء، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، ط٧، ١٤١٧هـ - ١٩٩٦م، ص١٧. (٣) سورة إبراهيم، الآيتان ٣٣-٣٤.

1 / 25

الذي نتحدث عنه ونتحدث فيه ويمر به هذا العالم الكبير من أول بدايته إلى نهاية نهايته" (١) . قال الله تعالى مؤكدًا امتنانه علينا بهذه النعم: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ *﴾ (٢) . فهذه المخلوقات العظيمة والآيات الباهرة مسخرة من لدن خالقها ومدبر أمرها لخدمة الإنسان ومنفعته. وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا *﴾ (٣) . أي يخلف أحدهما صاحبه؛ إذا ذهب هذا جاء الآخر (٤) فما فات الإنسان من العمل في أحدهما يدركه في الآخر. كما وصف نفسه سبحانه بأنه مالك الزمان والمكان وما يحل فيهما من أمور زمانية أو مكانية، فقال: ﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *﴾ (٥) . أي "له جل وعلا ما استقر في الليل والنهار، وهو المالك لكل شيء" (٦) . ثانيًا: الإقسام بالوقت ورد التنبيه في القرآن الكريم إلى عظم الوقت، حيث أقسم الله به في مواطن كثيرة من كتابه العزيز، من ذلك قوله ﷿: ﴿وَالْعَصْرِ *إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ *﴾ (٧)، وقوله: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى *وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى *﴾ (٨)، وقوله: ﴿وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ *وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ *﴾ (٩)، وقوله: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ *وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ *﴾ (١٠)، وقوله: ﴿وَالْفَجْرِ *وَلَيَالٍ عَشْرٍ *﴾ (١١)، وقوله: ﴿وَالضُّحَى *وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى *﴾ (١٢)، وقوله: ﴿فَلاَ أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ *وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ *﴾ (١٣) .

(١) أبو غدة، عبد الفتاح، قيمة الزمن عند العلماء،، مرجع سابق، ص١٧. (٢) سورة النحل، الآية ١٢. (٣) سورة الفرقان، الآية ٦٢. (٤) الصابوني، محمد علي، ورضا، صالح أحمد، مختصر تفسير الطبري، عالم الكتب، ط١، ١٤١٥هـ-١٩٨٥م، ج٢ ص١٥٧. (٥) سورة الأنعام، الآية ١٣. (٦) الصابوني، محمد علي، ورضا، صالح أحمد، مختصر تفسير الطبري، مرجع سابق، ج١ ص٣١٧. (٧) سورة العصر، الآيتان ١-٢. (٨) سورة الليل، الآيتان ١-٢. (٩) سورة المدثِّر، الآيتان ٣٣-٣٤. (١٠) سورة التكوير، الآيتان ١٧-١٨. (١١) سورة الفجر، الآيتان ١-٢. (١٢) سورة الضحى، الآيتان ١-٢. (١٣) سورة الانشقاق، الآيتان ١٦-١٧.

1 / 26

نلحظ في الآيات السابقة أن الله ﷿ أقسم بالوقت مُمثَّلًا في بعض أجزائه؛ فالليل صِنْو النهار، والفجر أول النهار، والشفق أول الليل، والضحى ما بين الغدو والزوال، ولله سبحانه أن يقسم بما شاء من مخلوقاته، قال الفخر الرازي في تفسير قول الله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ *إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ *﴾ (١) . "إن الدهر والزمان في جملة أصول النعم؛ فلذلك أقسم الله به، ولأن الزمان والمكان هما أشرف المخلوقات عند الله، كان القسم بالعصر قسمًا بأشرف النصفين من ملك الله وملكوته" (٢) . ويقول الشيخ يوسف القرضاوي: "من المعروف لدى المفسرين، وفي حس المسلمين، أن الله إذا أقسم بشيء من خلقه، فذلك ليلفت أنظارهم إليه، وينبِّهَهم على جليل منفعته وآثاره" (٣) . ثالثًا: ارتباط الوقت بالغاية من الخلق خُلق الإنسان لغاية نبيلة وهدف سامٍ ألا وهو عبادة الله وعمارة هذه الأرض، وبين هذه وتلك تدور حياة المسلم، فهو بين العبادة والسعي في الأرض، قال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ *﴾ (٤) . أي "إلا ليُقِرُّوا بعبادتي طوعًا أو كرهًا " (٥) . وقال سبحانه أيضًا: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ﴾ (٦) . أي "جعلكم تعمرونها جيلًا بعد جيل وقرنًا بعد قرن وخلفًا بعد سلف" (٧) . وقد ارتبطت العبادات جميعها بمواعيد ومواقيت محددة من قبل العزيز الحميد، مما يرفع من أهمية الوقت في حياة المسلم، وعلى رأس تلك العبادات الصلوات الخمس، التي قال الله فيهن: ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ (٨) . أي " مفروضة لوقت بعينه" (٩) . فالصلاة

(١) سورة العصر، الآيتان ١-٢. (٢) انظر: الرازي، محمد فخر الدين ٥٤٤-٦٠٤هـ، مفاتيح الغيب، دار الفكر، بيروت، ١٤١٤هـ - ١٩٩٤م، ج٣٢ ص ٨٥. (٣) القرضاوي، يوسف، الوقت في حياة المسلم، مرجع سابق، ص ٥. (٤) سورة الذاريات، الآية ٥٦. (٥) ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي ت ٧٧٤هـ، تفسير القرآن العظيم، دار المعرفة، بيروت، ط١، ١٤٠٦هـ، ج ٤ ص ٢٥٥. (٦) سورة الأنعام، الآية ١٦٥. (٧) ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي، تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق، ج ٢ ص٢٠٨. (٨) سورة النساء، الآية ١٠٣. (٩) القرطبي، محمد بن أحمد ت٦٧١ هـ، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق عبد الرزاق المهدي، دار الكتاب العربي، ط٣، ١٤٢١هـ - ٢٠٠٠م ١-٢٠، ج٥ ص ٣٥٦.

1 / 27

عبادة تتكرر في خمسة أوقات مختلفة من اليوم والليلة، ما يجعل المسلم في حال من الارتباط الوثيق بربه ﷿ الذي مكنه من العبادة والسعي في الأرض: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *﴾ (١) . أي "إذا فرغتم من الصلاة فانتشروا في الأرض للتجارة والتصرّف في حوائجكم" (٢) . كذلك الزكاة؛ فإنها لا تجب في المال حتى يتحقق فيه شرطان، الأول أن يبلغ النصاب؛ وهو القَدْر المشروع توافره لوجوب الزكاة فيه، والثاني أن يمضي عليه حول كامل أي سنة كاملة، فإذا تحقق هذان الشرطان وجبت الزكاة في المال إذا كان من النقدين، أي من الذهب والفضة، أو من عروض التجارة، وهو كل ما أعدَّه مالكه للبيع والشراء والمتاجرة، أما الزُّروع فإنّ زكاتها تجب عند الحصاد، قال الله تعالى: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ (٣) . أي "ادفعوا زكاته يوم جَزِّه وقَطْعِه" (٤) . بعد ذلك يأتي الصوم الذي فرض في شهر رمضان من كل عام، وهو مؤقت برؤية الهلال ابتداءً وانتهاءً، قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ (٥) . ثم يليه الحج الذي فُرض على المسلم في العمر مرة واحدة، فنجده محددًا بوقت معلوم (٦)؛ كما قال الله عنه: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ (٧) . هذا إضافة إلى الأذكار والنوافل التي يتعبد بها المسلمُ إلى ربّه في كل صباح ومساء، بل في كل حين وعلى كل حال، تحقيقًا لقول الله تعالى: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ *وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ *﴾ (٨)، وقوله ﷾: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

(١) سورة الجمعة، الآية ١٠. (٢) القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق، ج ١٨ ص٩٦. (٣) سورة الأنعام، الآية ١٤١. (٤) الصابوني، محمد علي، ورضا، صالح أحمد، مختصر تفسير الطبري، مرجع سابق، ج١ ص٣٥٥. (٥) سورة البقرة، الآية ١٨٥. (٦) انظر: القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق، ج ٢ ص ٤٠١. (٧) سورة البقرة، الآية ١٩٧. (٨) سورة الروم، الآيتان ١٧-١٨.

1 / 28