وقالت الأم: «لم تتكلم فادية بعد.»
واعتدل الأب على ظهره وسقطت عيناه من جديد على السقف دون أن تتبينا تفاصيله، ثم مر بيده على بطنه قائلا: «نتصل بها إن لم تتكلم بعد ساعة.»
ثم: «ماذا سنتعشى الليلة؟»
برلين
1969م
أغاني المساء
عندما ظهر الرجل السمين في النافذة أدركت أن اليوم انتهى، وأن صوت أبي ما يلبث أن يستدعيني. وأسرعنا نجمع الكرات الزجاجية الملونة من فوق الأرض.
استند الرجل بساعده الأيسر إلى حافة النافذة في اطمئنان، ومد يده اليمنى بطرف خرطوم من المطاط الأسود، ثم اكتسح الحارة ببصره كأنما يبحث عن المكان الملائم الذي يبدأ منه.
تعلقت عيوننا بفوهة الخرطوم، وعندما انطلقت منها المياه تراجعنا إلى الوراء حتى التصقنا بالحائط، وتابعنا المياه وهي تنهمر فوق المنطقة التي حفرنا فيها دوائر «البلي» الخمس، ورأينا المياه تنساب داخل الحفر مكان البلي.
وبعد لحظة بدت الحارة خالية تماما، وهي التي كانت منذ قليل تعج بضجيج يصم الآذان؛ فقد كانت المياه المتدفقة من الخرطوم تكتسح أمامها كل شيء. وشعرت بالظلام يطبق علينا، فتطلعت إلى أعلى. كان الظلام يتضاءل كلما اتجهت ببصري إلى أعلى، وطالعني وجه أبي يطل من شرفتنا ومن خلفه سماء ما زالت تحتفظ ببقية من ضوء الغروب.
صفحة غير معروفة