فأجاب فارس النمر: «إن أشد فرسان العالم المسيحي فقرا في كل عمل نبيل يقوم به، ولكنه يقف يده وسيفه وذكر أعماله وإخلاص قلبه الذي لا يحيد لأجمل من حلين جبينهن بتاج من أميرات.»
فقال العربي: «ألم تقل لي منذ حين إن الحب هو أعز ما يملك القلب؟ فما أشك في أنك قد وهبت قلبك لامرأة كريمة نبيلة.»
فأجاب المسيحي وقد علت وجنتيه حمرة الخجل: «أيها الغريب، اعلم أننا لا نندفع في الكلام فنتحدث عن موضع حبنا الذي وهبناه أنفس ما نملك، ويكفيك أن تعرف أن حبي - كما قلت - قد خصصت به امرأة نبيلة كريمة، بل وغاية في النبل والكرم؛ وإن كنت لم تسمع بالحب وتكسير النصال في سبيله فخاطر بنفسك - على حد قولك - واذهب إلى معسكر الصليبيين، وهناك تسمع بأذنيك ما يرضيك، وتجد ليديك - إن أردت - مرانا.»
وهنا هب المقاتل الشرقي عن ركابه وهز برمحه إلى أعلى، ثم أجاب قائلا: «إنني أخشى ألا أجد من أبناء الصليب من يبادلني النزال بالجريد.»
فأجاب الفارس: «إنني لا أعدك بذلك، رغم أن بالمعسكر بعضا من الإسبان ذوي المهارة الفائقة في هذا الفن الشرقي، فن الضرب بالحراب.»
فانفجر العربي قائلا: «هيه يا كلاب ويا أبناء الكلاب! ما لهؤلاء الإسبان يأتون إلى هنا لمنازلة المؤمنين المخلصين، وهم في بلادهم السادة وأصحاب الرأي؟ إنني لن أنزل معهم في لهو الفرسان.»
فقال فارس النمر: «حذار أن يسمعك فرسان «ليدن» أو «أستورياس» وأنت تتحدث عنهم كذلك!» ثم ابتسم إذ تذكر ما كان بينه وبين العربي من قتال صبيحة ذلك اليوم، وأردف قائلا: «لو أنك قبلت أن تستبدل القصب بالفئوس لألفيت من المقاتلين أبناء الغرب من يكفيك لسد هذه اللجاجة في نفسك.»
فقال العربي وهو يتماثل للضحك: «ولحية أبي، يا سيدي كنث، إن هذا الضرب من اللعب لأشد عنفا من أن يكون للهو المجرد. إنني لن أفر منهم في ميدان القتال، ولكن عقلي (وهنا وضع يده على جبينه) لا يسمح لي أن أقصدهم للهو حتى حين.»
فرد عليه المقاتل الغربي وقال: «وددت لو أنك رأيت فأس الملك رتشارد، تلك الفأس التي لو قيست بها فأسي المعلقة بسرجي لم تزد هذه الأخيرة عن وزن الريشة.»
فقال العربي: «إننا سمعنا الشيء الكثير عن هذا الملك الذي يحكم في جزيرة؛ خبرني هل أنت من رعيته؟»
صفحة غير معروفة