والسوداء, هي باردة يابسة, وأفضل هذه الأنواع الدم الطبيعي وهو غذاء الأعضاء والبلغم الطبيعي قريب الشبه منه وتحتاج إليه الأعضاء كلها لأنها إذا عقدت الغذاء الوارد المهيا دما صالحا تحليه القوة دما وتغتذى وفائدته أيضا تنديه المفاصل والأعضاء الكثيرة الحركة فلا يعرض لها جفاف بسبب حرارة الحركة وحاصل الأمر أن البغلم الطبيعي دم غير تام النضج والصفراء الطبيعية وهي رغوة الدم وإذا تولدت في البدن انقسمت قسمين فيذهب قسم منها مع الدم وذلك لنخالطه في تغذية الأعضاء التي تستحق أن يكون في غذائها جزء صالح من الصفراء بحسب ما يستحقه من القسمة مثل الرية ويلطف الدم وينفذه في المسالك الضيقة وقسم يصفو إلى المرارة وله فوائد تخليص البدن من الفضل وتغذية المرارة وغسل المغافر من الثفل والبلغم واللزج ولذع المعا, ولذع العضل القعدة لتحس بالحاجة ويحوج إلى النهوض للتبرز والسوداء الطبيعة هي دردى كثيف الدم المجمودة وثقله وعكره وإذا تولد في البدن تغذ قسم منها مع الدم ليخالطه في تغيذة الأعضاء التي يجب أن يقع في غذائها جزء صالح من السوداء مثل العظام وليشتد الدم ويقويه ويكثفه, وقسم يتوجه نحو الطحال فائدته تنقية البدن عن الفضل تغذية الطحال وتقوية فم المعدة ولدغة بالحموضة ليلينه على الجوع وتحريك الشهوة. وغير الطبيعي من أنواع الأربعة دم المزاج وما حصل فيه خلط ردي فاسد وبلغم خالط غيره فأفسده وصفراء خالطها غيرها وسوداء احترقت عن أي خلط كان. قال جالينوس: ولم يصب من زعم أن الخلط الطبيعي هو الدم لا غير وسائر الأخلاط فضول لا يحتاج إليها لأن الدم لو كان وحده هو الخلط الذي يغذوا الأعضاء لتشابهت في الأمزجة والقوام وما كان العظم أصلب من اللحم إلا ودمه دم مازجه جزء هو صلب سوداوي ولا كان الدماغ ألين منه إلا ودمه دم مازجه جزء هو لين بلغمي، ثم قال ابن سينا: ومن الناس من يظن أن قوة البدن منه، ومن الناس من يظن أن الأخلاط إذا زادت أو نقصت بعد أن تكون على النسبة التي يقتضيها بدن الإنسان في مقادير بعضها عضد بعض فإن الصحة محفوظة وليس كذلك بل يجب أن يكون لكل واحد من الأخلاط مع ذلك تقدير من الكم محفوظ ليس بالقياس إلى خلط آخر بل في نفسه مع حفظ التقدير الذي بالقياس إلى غيره. وأما كيفية تولد الأخلاط فالغذاء إذا ورد على المعدة استحال فيها إلى جوهر شبه بمر الكشك الثخين ويسمى كيموسا وينحدر الصافي منه إلى الكبد فيندفه من طريق العروق المسماة مارساريقا وينطبخ في الكبد فيحصل منه شيء كالرغوة وهي الصفراء الطبيعية والرسوب وهي السوداء الطبيعية والمحترق أن يكون معهما شيء منه إن إفراط الطبخ وشيء فج أن تضر الطبخ وهذا المحترق لطيفة صفراء غير طبيعية وكثيفة سوداء غير طبيعية والفج هو البلغم والمتصفى من هذه الجملة نضجا هو الدم فإذا انفصل هذا الدم عن الكبد تصفى أيضا عن مائية فضيلة فينجذب إلى عروق نازل إلى الكليتين ومعهما جزء من الدم يقدر غذاء الكليتين فيغذوهما ويندفع باقيهما إلى المثانة والاحليل وأما الدم الحسن القوام فيندفع في عرق الأعظم الطالع من حدبة الكبد فيسلك في الأوردة المتشعبة منها في جداول الأوردة ثم في سواقي الجداول ثم في رواضع السواقي ثم في العروق اللينة الشعرية ثم يرشح فوهاتها في الأعضاء بتقدير العزيز العليم الحكيم -انتهى.
وقال الذهبي: الأخلاط أربعة: الدم -وهو أفضلها وهو رطب حار, وفائدته تغذية البدن والطبيعي منه حلو لا نتن له ثم البلغم وهو رطب بارد وفائدته أن يستحيل دما إذا فقد البدن الغذاء وأن يرطب الأعضاء فلا يجففها الحركة والطبيعي منه ما قارب الاستحالة إلى الدموية وغير الطبيعي منه المالح, يميل إلى الحرارة والحامض ويميل إلى البرد والمخ وهو خالص البرد ثم الصفراء وهي حارة يابسة وعلوها المرارة وهي تلطف الدم وتنفذه في المجاري الضيقة وينصب جزء منها إلى الأمعاء فينبه على خروج النجو وللطبيعي منها أحمر خفيف وغير الطبيعي فالمخي والكراثي والزنجاري والاحتراقي وهو في الزنجاري أقوى من الكراثي فلذلك ينحدر بالموت ثم السوداء وهي يابسة باردة وهي تغلظ الدم وهي تغذي الطحال والعظام وينصب جزء منها إلى فم المعدة فينبه على الجوع بحموضتها والطبيعي منها ردي الدم وغير الطبيعي يحدث عن احتراق أي خلط كان وهي المرة السوداء.
صفحة ٢٤