202

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

الناشر

دار الهلال

رقم الإصدار

-

مكان النشر

بيروت

إِلَّا لِعَارِضٍ يُزِيلُهَا، وَمَحَبَّةُ الْعِشْقِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ، فَإِنَّهَا اسْتِحْسَانٌ رُوحَانِيٌّ، وَامْتِزَاجٌ نَفْسَانِيٌّ، وَلَا يَعْرِضُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَحَبَّةِ مِنَ الْوَسْوَاسِ وَالنُّحُولِ، وَشَغْلِ الْبَالِ، وَالتَّلَفِ مَا يَعْرِضُ من العشق. فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ سَبَبُ الْعِشْقِ مَا ذَكَرْتُمْ مِنَ الِاتِّصَالِ وَالتَّنَاسُبِ الرُّوحَانِيِّ، فَمَا بَالُهُ لَا يَكُونُ دَائِمًا مِنَ الطَّرَفَيْنِ، بَلْ تَجِدُهُ كَثِيرًا مِنْ طَرَفِ الْعَاشِقِ وَحْدَهُ، فَلَوْ كَانَ سَبَبُهُ الِاتِّصَالَ النَّفْسِيَّ وَالِامْتِزَاجَ الرُّوحَانِيَّ، لَكَانَتِ الْمَحَبَّةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا. فَالْجَوَابُ: أَنَّ السَّبَبَ قَدْ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ مُسَبِّبُهُ لِفَوَاتِ شَرْطٍ، أَوْ لِوُجُودِ مَانِعٍ، وتخلّف المحبة من الجانب الآخر لابد أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَسْبَابٍ: الْأَوَّلُ: عِلَّةٌ فِي الْمَحَبَّةِ، وَأَنَّهَا مَحَبَّةٌ عَرَضِيَّةٌ لَا ذَاتِيَّةٌ، وَلَا يَجِبُ الِاشْتِرَاكُ فِي الْمَحَبَّةِ الْعَرَضِيَّةِ، بَلْ قَدْ يَلْزَمُهَا نُفْرَةٌ مِنَ الْمَحْبُوبِ. الثَّانِي: مَانِعٌ يقوم بالمحب يمنع مَحْبُوبِهِ لَهُ، إِمَّا فِي خُلُقِهِ، أَوْ فِي خَلْقِهِ أَوْ هَدْيِهِ أَوْ فِعْلِهِ، أَوْ هَيْئَتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. الثَّالِثُ: مَانِعٌ يَقُومُ بِالْمَحْبُوبِ يَمْنَعُ مُشَارَكَتَهُ لِلْمُحِبِّ فِي مَحَبَّتِهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ الْمَانِعُ، لَقَامَ بِهِ مِنَ الْمَحَبَّةِ لِمُحِبِّهِ مِثْلُ مَا قَامَ بِالْآخَرِ، فَإِذَا انْتَفَتْ هَذِهِ الْمَوَانِعُ، وَكَانَتِ الْمَحَبَّةُ ذَاتِيَّةً، فَلَا يَكُونُ قَطُّ إِلَّا مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وَلَوْلَا مَانِعُ الْكِبْرِ وَالْحَسَدِ، وَالرِّيَاسَةِ وَالْمُعَادَاةِ فِي الْكُفَّارِ، لَكَانَتِ الرُّسُلُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَلَمَّا زَالَ هَذَا الْمَانِعُ مِنْ قُلُوبِ أَتْبَاعِهِمْ، كَانَتْ مَحَبَّتُهُمْ لَهُمْ فوق محبة الأنفس والأهل والمال. فَصْلٌ وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ الْعِشْقَ لَمَّا كَانَ مَرَضًا مِنَ الْأَمْرَاضِ، كَانَ قَابِلًا لِلْعِلَاجِ، وَلَهُ أَنْوَاعٌ مِنَ الْعِلَاجِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لِلْعَاشِقِ سَبِيلٌ إِلَى وَصْلِ مَحْبُوبِهِ شَرْعًا وَقَدَرًا، فَهُوَ

1 / 204