179

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

الناشر

دار الهلال

رقم الإصدار

-

مكان النشر

بيروت

وَقِيلَ: نَوْمُ النَّهَارِ ثَلَاثَةٌ: خُلُقٌ، وَحُرَقٌ، وَحُمْقٌ. فَالْخُلُقُ: نَوْمَةُ الْهَاجِرَةِ، وَهِيَ خُلُقُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَالْحُرَقُ: نَوْمَةُ الضُّحَى، تَشْغَلُ عَنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَالْحُمْقُ: نَوْمَةُ الْعَصْرِ. قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مَنْ نَامَ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَاخْتُلِسَ عَقْلُهُ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ. وَقَالَ الشَّاعِرُ: أَلَا إِنَّ نَوْمَاتِ الضُّحَى تُورِثُ الْفَتَى ... خَبَالًا وَنَوْمَاتُ الْعُصَيْرِ جُنُونُ وَنَوْمُ الصُّبْحَةِ يَمْنَعُ الرِّزْقَ، لِأَنَّ ذَلِكَ وَقْتٌ تَطْلُبُ فِيهِ الْخَلِيقَةُ أَرْزَاقَهَا، وَهُوَ وَقْتُ قِسْمَةِ الْأَرْزَاقِ، فَنَوْمُهُ حِرْمَانٌ إِلَّا لِعَارِضٍ أَوْ ضَرُورَةٍ، وَهُوَ مُضِرٌّ جِدًّا بِالْبَدَنِ لِإِرْخَائِهِ الْبَدَنَ، وَإِفْسَادِهِ لِلْفَضَلَاتِ الَّتِي يَنْبَغِي تَحْلِيلُهَا بِالرِّيَاضَةِ، فَيُحْدِثُ تَكَسُّرًا وَعِيًّا وَضَعْفًا. وَإِنْ كَانَ قَبْلَ التَّبَرُّزِ وَالْحَرَكَةِ وَالرِّيَاضَةِ وَإِشْغَالِ الْمَعِدَةِ بِشَيْءٍ، فَذَلِكَ الدَّاءُ الْعُضَالُ الْمُوَلِّدُ لِأَنْوَاعٍ مِنَ الْأَدْوَاءِ. وَالنَّوْمُ فِي الشَّمْسِ يُثِيرُ الدَّاءَ الدَّفِينَ، وَنَوْمُ الْإِنْسَانِ بَعْضُهُ فِي الشَّمْسِ، وَبَعْضُهُ فِي الظِّلِّ رَدِيءٌ، وَقَدْ رَوَى أبو داود فِي «سُنَنِهِ» مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الشَّمْسِ فَقَلَصَ عَنْهُ الظِّلُّ فَصَارَ بَعْضُهُ فِي الشَّمْسِ، وَبَعْضُهُ فِي الظِّلِّ فَلْيَقُمْ»» . وَفِي «سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ» وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى أَنْ يَقْعُدَ الرَّجُلُ بَيْنَ الظِّلِّ وَالشَّمْسِ، وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى مَنْعِ النَّوْمِ بَيْنَهُمَا. وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ

(١) أخرجه أبو داود في الأدب.

1 / 181