وقال يسري مفكرا: أما عن الأربعمائة جنيه فلا عيب بها، أما عن الطريقة ...؟
وقال حامد في سخرية: نعم يا سيدي، ما لها الطريقة؟ لا تجعلني أظن بك العبط كأخيك، أنا دائما أحترمك لأنك واقعي، ذهنك تخلص من المخلفات الراكدة للتقاليد والتفكير الضيق العقيم. - ولكن هذه المسألة يا حامد بك لا شأن لها بالتفكير العقيم ولا مخلفات الماضي، إنها ... إنها ... - هيه، قل سرقة، قل، قلة ذمة، كرر هذه الألفاظ الجوفاء التي سيطرت على الأجيال الماضية وكبلت التفكير فيها. - يا حامد بك أنا لا أرى صلة بين الأجيال الماضية وهذه المسألة أبدا.
فقال حامد في حزم: إذن فأنت لا تريد الاشتراك معي فيها؟ - والله إذا أعفيتني أكون شاكرا. - أنت حر، طبعا أنت اليوم غني ولم تصبح في حاجة إلى المال. أصبحت تختار نوع المال الذي يصل إليك، فهذا تقبله وهذا ترفضه، معلوم، لك حق، ولكنني يا سيدي لست كذلك. وإن لم أحصل على المال من حنك السبع فلن أجده، أنت حر. - الواقع يا حامد بك أنا خجلان أن أرفض لك أمرا، ولكن لا أستطيع. - أنت حر، أنت حر، ولكن فقط لا تعطل الورق.
وأصابت يسري بغتة أخرى : ماذا؟ هل سيمر بي هذا الورق؟ - طبعا.
وفكر يسري قليلا ثم قال: ألا يمكن أن يأتيك هذا الورق مباشرة؟ - بالطبع لا، أنت سكرتير عام الشركة، وحين يمر موضوع من غير تأشيرتك سيثير كثيرا من التساؤل والدهشة. وأنا لا أحب التساؤل أو الدهشة، أو التعطيل. - إذن ... - إذن فلا تعطل الورق. •••
وأطرق يسري وفكر، يمكن أن يقال لم ينتبه. وهذا خير من أن يقال لص، لعلهم سيقولون لص أيضا، لا يهم ما دمت أنا مقتنعا أنني لم أسرق، إن لم أوقع فسأرفت، فهو لا يحب التعطيل.
وقاطع حامد تفكيره قائلا في حزم ونغمة خالية من التهديد: هيه.
فقال يسري: حاضر، سأوقع.
وضحك حامد ساخرا وقال: تقبل أن يقال مغفل لا يفهم شغله، ولا تقبل أن تأخذ أربعمائة جنيه.
وحاول يسري أن يعتذر عن أمانته ثانية، ولكن حامد سارع يقول: لا، لا، لا ترغم نفسك على شيء، أنت حر، أنت دائما حر، تقبل ما تشاء ولا تقبل ما تشاء، أنت حر.
صفحة غير معروفة