86

ثم تشرق الشمس

تصانيف

ودق يسري الجرس وطلب إلى السكرتير أن يدخل صبحي ودخل صبحي، ونسى يسري ما أراد أن يأخذ به نفسه من وقار وعظمة وإظهار مشاغل وإثبات أهمية، ووجد نفسه حين رأى وجه صديقه يفتح ذراعيه ويحتضن صديقه، وكأنه يحتضن نفسه والأيام التي قضياها معا، ووجد نفسه يقول في سجية مواتية لا تكلف فيها: أين أنت يا ولد؟ أين طول هذه المدة؟

وأطرق صبحي قليلا ثم قال: أشكرك يا يسري، يا يسري بك.

وكأنما أفاق يسري من غفوة، أيقظته «بك» يسمعها من صبحي، وأوشك أن يقول «لا تقلها!» ولكنه التذها، أحس فيها بما وصل إليه من غنى وسلطان، فوجد نفسه يتجاهل «البك»، وكأنها أمر مفروض، وقال لصبحي: علام الشكر؟ - على هذا اللقاء.

وقال يسري في صوت يغاير مضمون كلامه: نحن أخوان.

قالها في عظمة متواضعة تستطيع أن تحمل في طواياها، أي معنى غير معنى الأخوة، ثم ما لبث أن قال: صبحي، عضو مجلس الإدارة يطلبني وأنا مضطر للذهاب إليه، هل هناك أي خدمة أستطيع أن أؤديها؟

وقال صبحي في ارتباك: أجيء في وقت آخر. - أهلا، ولكن ماذا تريد؟ - وظيفة.

وبهت يسري فهو لم يكن يتوقع هذا الطلب من صديقه، وطاف به الصمت هنيهة ثم قال: والله يا صبحي المسألة ليست سهلة، أتعطيني فرصة من الوقت؟ - طبعا، ولكن أرجو ألا يطول هذا الوقت. - كن على اتصال دائم بي. - سأجيء كثيرا. - وهو كذلك، اترك لي هذا الموضوع.

واستأذن صبحي وانصرف، وقصد يسري إلى مكتب الدكتور حامد، وحين دخل وجد في الحجرة رجلا أنيق الملبس قدمه إليه حامد قائلا: عبد السميع بك فتحي، مندوب شركة النقل بالسيارات.

وحيا عبد السميع بك يسري في أدب وافر، ولاحظ يسري عناية الرجل البالغة بحركاته جميعا وتحريه أن تكون كل حركة فائقة الأدب والجمال، وحرصه كل الحرص أن تظل ابتسامة على فمه ثابتة لا تزيد ولا تنقص إلا عند ضحك شديد إذا ما بدا في الجو مشروع نكتة وإن لم يكن المتحدث يقصد إليها، وطال الحديث بينهم في أمور عامة لا صلة لها بالعمل، ويسري يشارك في الحديث طورا ويرقب هذا الوافد الجديد طورا آخر، أو هو يرقب الأدب البالغ الذي يصطنعه الدكتور حامد أيضا في الحديث، أو يحاول أن يعرف هدف هذه الزيارة، أو على الأقل السبب الذي استدعاه من أجله الدكتور حامد، ولكن محاولاته لم تنته به إلى رأي يرتاح إليه. وبدا ليسري أن كلا من حامد وعبد السميع بك يتباريان أيهما أكثر صبرا وأشد مداورة من الآخر، فكل منهما يلوب في الحديث مبتعدا عما اجتمعا من أجله. وقد فاز حامد في هذه المباراة وهزم عبد السميع، فقد حرص حامد أن تشيع في الحجرة فترة من الصمت أعقبها بكلمة واحدة: - شرفت.

وقال عبد السميع: الله يحفظك، ترى أتخبر أنت يسري بك بالمسألة أم تفضل أن أقول أنا؟ - أظن من الأفضل أن تخبره أنت. - أمرك، لقد اتفقت يا يسري بك مع حامد بك على صفقة ستعود عليكم بخير عميم.

صفحة غير معروفة