وعادت اللعثمة إلى يسري مرة أخرى: إنها ... إنها ...
وقال عزت باشا وقد كاد يضيق: يا أخي قل، مم تخجل؟
وكانت هذه الجملة سريعة المفعول، فقد وجد يسري نفسه يقول في سرعة: أريد فايزة بنت معاليك.
ووجم عزت باشا، فما كان يظن أنه سيسمع أحدا يخطب فايزة أبدا، ولم يذهب به الظن أن هذه المقدمة الطويلة التي ساقها يسري كانت تمهيدا لهذه النهاية، واختلطت مشاعره بين فرح وقبول، وبين خوف وإشفاق، وبين حذر وريبة، ولم يجد شيئا آخر يقوله ليسري إلا: يا ابني، أنا لم يخطر لي هذا التفكير على بال. وعلى كل حال فايزة أختك، ولكن أتمانع أن تترك لي بعض الوقت لأسألها وأسأل أمها؟
وقال يسري: أنا تحت أمرك يا عمي. متى أجيء؟ - وهل تجيء إلي بمواعيد؟ تعال في أي وقت شئت، وسأجيبك حالا. - أشكرك يا عمي، أشكرك.
وقام يسري واستأذن وانصرف، لم يخالجه الشك أن عمه سيقبل.
ولماذا يرفض؟ وأين يجد مثلي لمثلها؟ قال أختك، أختي لأنها صماء، أتراها كانت تظل أختي لو لم يكن بها ما بها؟ أختي، مفهوم يا معالي الباشا مفهوم. أتريد فترة للتفكير؟ لك ما تشاء من فترات، فإنك ستقبل يا معالي الباشا، سيقول عنك الناس وخاصة أقاربنا إنك رجل عظيم، رعيت القرابة والصداقة القديمة، وأنت في نفس الوقت ستزوج ابنتك التي لم تطمع أن تزوجها في يوم من الأيام، فتجمع إلى زواج ابنتك ثناء الناس. فلك من فترات الزمن ما تشاء، ولكني أعلم أنك ستقبل.
مكث عزت باشا في مكانه يفكر في هذا الأمر الجديد، أتراه يحبها، أم تراه يطمع في مالها، أم تراه يطمع في مكانتي أن تظله، أم تراه يريد الزواج، مجرد الزواج، فوجد في فايزة المال والسلطان وتغاضى عما بها من مرض؟ ولكن كيف؟ إنها لا تسمع مطلقا، لعله يريد أن يشكرني على تعييني له، ولعله لم يجد ما يعبر به عن شكره إلا أن ينقذ ابنتي أن تكون عانسا؟ أما هذا فلا، إنني أقبل أن يتزوجها يسري بن همام حتى وإن كان طامعا في مالها، ولكنني لا أقبل أن يتزوجها أحد على الإطلاق لمجرد أنه يريد أن يقدم شكره لي، لا أرضى لابنتي هذا المكان، ولا أرضى ليسري أيضا أن يقدم حياته كلها لي لمجرد شعوره بالجميل نحوي، أما هذا فلا أقبله.
وقام عزت باشا متثاقلا يقلب الآراء جميعها في ذهنه حتى بلغ إجلال هانم وجلس إليها مفكرا ما يزال، وتركته هي لصمته بعض الحين ثم قالت: ما لك يا عزت؟
فقال دون ريث تفكير، فقد كان يريد أن يقول دون سؤال: يسري خطب فايزة.
صفحة غير معروفة