فإن لم يكن كذلك وكان غير مفارق للأجرام، لم يكن له فعل أيضا مفارق للجرم الذى هو فيه البتة، لأنه لا يمكن، إذ كان جوهر الشىء غير مفارق للجرم، أن يكون فعله مفارقا لذلك الجرم؛ وإلا، كان الفعل أكرم من الجوهر، إذ كان محتاجا إلى الأجرام وكان الفعل مكتفيا بنفسه غير محتاج إلى الأجرام. فان كان هذا على هذا، رجعنا فقلنا إن كان شىء من الأشياء غير مفارق للأجرام بجوهره، ففعله أيضا غير مفارق للأجرام، بل يكون أكثر لزوما لها. فإن كان هذا على ذا، لم يمكن أن يرجع هذا الشىء إلى ذاته البتة. فنرجع أيضا فنقول إنه إن وجدنا فعلا من الأفاعيل مفارقا للأجرام، فلا محالة أن الجوهر الذى يفعل ذلك الفعل أحرى أن يكون مفارقا للأجرام؛ فذلك كان له فعل مفارق للأجرام — أقول أنه يفعل فعله لا بالجرم ولا مع الجرم، لأن الفعل والذى منه كان الفعل لا يحتاجان إلى الجرم البتة.
ونقول إن الجوهر الجرمى لا يفعل فعله إلا بملامسة الشىء الذى يفعل به، فإما أن يدفعه وإما أن يندفع منه؛ فلذلك لا يمكن أن يكون هذا الجوهر وفعله بلا جرم. وقد نجد جوهرا آخر يفعل فعله بلا ملامسة الشىء الذى يفعل فيه، وبلا أن يدفعه أو أن يندفع منه، فلذلك صار يفعل فعله فى الشىء البعيد. فإن كان هذا على ذا وكان فعل الشىء بائنا من الجرم، فلا محالة أن الجوهر الفاعل لذلك الفعل بائن من الجرم أيضا وأنه يرجع إلى ذاته كرجوع الكل إلى الكل.
فقد استبان الآن وصح أن هاهنا أشياء روحانية هى صور فقط لا هيولى لها البتة.
صفحة ١٦