هذه أخلاقنا حين نكون مؤمنين حقا
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
مكان النشر
الرياض - المملكة العربية السعودية
تصانيف
الخطب، فاسدد أبواب الشيطان، وقدر المصالح والمفاسد.
وفي سنن أبي داود حديث بهذا المعنى، فقد ورد أن رجلًا وقع بأبي بكر فآذاه - بحضرة النبي ﷺ ولما آذاه الثالثة انتصر منه أبو بكر، فقام رسول الله ﷺ حين انتصر أبو بكر، (فقال أبو بكر: أوجدتَ عليَّ يا رسول الله! فقال رسول الله ﷺ: «نزل ملك من السماء يكذبه بما قال لك، فلما انتصرت وقع الشيطان، فلم أكن لأجلس إذ وقع الشيطان» (١).
قال الخطابي في شرح الحديث: (إنما وقع الشيطان حين انتصر أبو بكر؛ لأن انتصاره يغري صاحبه - سيما وقد بدا الشر منه بتكرير الإساءة - بالتزيد والتمادي، فيكون ذلك سببًا في تفاقم الخطب) (٢).
والمغلوب على أمره يتأسى بنوح ﵇ حينما عجز عن قومه: ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ﴾ [القمر: ١٠] أما القادر على الانتصار - بقيوده وشروطه الشرعية) (٣) - فلا عذر له في الخنوع والاستكانة للظالمين.
فأما قوله تعالى ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [الشورى: ٤٣]، فقد قال فيه القرطبي: (هو محمول على الغفران عن غير المصرِّ، فأما المصرُّ على البغي والظلم فالأفضل الانتصار منه) (٤)، وأما كظم الغيظ، فمستحسن ومندوب إليه بعد التمكن من الظالم
_________
(١) صحيح سنن أبي داود للألباني - كتاب الأدب - باب ٤٩ - الحديث ٤٠٩٤/ ٤٨٩٦ (حسن).
(٢) شرح سنن أبي داود (معالم السنن للخطابي ٥/ ٢٠٤).
(٣) من القيود والضوابط التي أشير إليها في الانتصار من الظالم المسلم: - أن يكون العفو عنه يجرؤه - أو أن يكون مسترسلًا في ظلمه ومصرًا عليه - كما أن من قيود المنتصر ألا يتعدى بأكثر مما ظلم - وألا يؤدي انتصاره إلى شر أكبر من المظلمة بحسب توقعه وراجح ظنه.
(٤) تفسير القرطبي ١٦/ ٣٩.
1 / 69