التفسير الموضوعي للقرآن الكريم ونماذج منه
الناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
الأعداد ٨٥-١٠٠ السنوات ٢٢-٢٥ المحرم ١٤١٠
سنة النشر
ذو الحجة ١٤١٣ هـ
تصانيف
مقدمة
...
التفسير الموضوعي للقرآن الكريم
ونماذج منه
للدكتور/ أحمد بن عبد الله الزهراني
أولا: معنى التفسير لغة:
يطلق التفسير في اللغة على الكشف والبيان والإيضاح والتفصيل ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ الفرقان ٣٣.
كما يطلق ويراد به التأويل ومنه قوله تعالى: ﴿نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِه﴾ يوسف ٣٦. يقول ابن كثير في معنى قوله تعالى: ﴿وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ .
أي ولا يقولون قولا يعارضون به الحق، إلا جئناك بما هو الحق في نفس الأمر، وأبين وأوضح وأفصح من مقالتهم ١.
قال ابن فارس: "فسر" الفاء والسين والراء كلمة واحدة تدل على بيان شيء وإيضاحه. من ذلك فسر، يقاله: فسرت الشيء وفسرته٢" اهـ.
وجاء في القاموس: الفسر: الإبانة وكشف المغطى كالتفسير٣.
_________
١تفسير القرآن العظيم٦/١١٨ ط الشعب.
٢معجم مقاييس اللغة ٤/ ٥٠٤.
٣القاموس المحيط ٢/ ١١٠.
1 / 11
ثانيا: معنى التفسير في الاصطلاح:
تنوعت عبارة المفسرين وكثرت أقوالهم في بيان حدّه وتعريفه والذي ظهر لي منها "أن التفسير علم جليل يفهم به كتاب الله سبحانه المنزل على نبيه محمد صلي الله عليه وسلم.
وهذا التعريف ذكره الزركشي ١ ويندرج تحته التعاريف المتعددة في حدّ التفسير.
ثالثا: معنى موضوعي:
هذه نسبة إلى موضوع: الذي هو المادة التِي يؤخذ أو يتركب أو يبنى منها جزئيات البحث ويضم بعضها إلى بعض ليصير موضوعا.
يقول الدكتور محمد أحمد القاسم: "وموضوعي" نسبة إلى موضوع وإضافة "تفسير" إلى "موضوعي" لما صارت علما على هذا الفن بعد أن ركبت معها وصارت كلمة واحدة كتركيب "معد يكرب "لما فتنوسيت تلك الإضافة " ٢.
رابعا: تعريف التفسير الموضوعي:
هو إفراد الآيات القرآنية التي تعالج موضوعا واحدا وهدفا واحدا، بالدراسة والتفصيل، بعد ضم بعضها إلى بعض، مهما تنوعت ألفاظها، وتعددت مواطنها - دراسة متكاملة مع مراعاة المتقدم والمتأخر منها، والاستعانة بأسباب النزول، والسنة النبوية، وأقوال السلف الصالح المتعلقة بالموضوع٣.
فوائد التفسير الموضوعي:
١- أنه تفسير للقرآن بالقرآن، فما أطلق في مكان منه قيد في مكان آخر وما ذكر موجزا في موطن منه ذكر مفصلا في آخر.
٢- الوقوف على عظمة القرآن الكريم من خلال مواضيعه المتنوعة والتعرف على تشريعاته النيرة والمتعددة.
_________
١ البرهان في علوم القرآن١/١٣.
٢ التفسير الموضوعي للقران الكريم ص ٧.
٣ انظر التفسير الموضوعي للقرآن الكريم ص ٧ د/ محمد أحمد القاسم والبداية في التفسير الموضوعي ص٥٢ د/ عبد الحي الفرماوي.
1 / 12
٣- بيان ما تضمنه القرآن الكريم من أنواع الهداية الربانية من خلال تلك المواضيع المتنوعة.
٤- التخلق بأخلاق القرآن والانتفاع به من حيث زيادة الإيمان.
٥- التمكن من فهم القرآن الكريم فهما جيدا.
٦- الاطلاع على أساليب القرآن الكريم المتنوعة.
٧- جمع الآيات المتناثرة في القرآن ذات الموضوع والهدف الواحد في مكان واحد ثم دراستها دراسة متكاملة.
٨- الرد على أهل الأهواء والشُّبه قديما وحديثا لكون دراسة مثل هذا النوع من التفسير يجمع شتات الموضوع الواحد ويحيط بجميع أطرافه فيمكن دراسته والرد على الآخرين.
٩- إزالة ما يوهم التعارض بين آيات القرآن الكريم وتوجيه ذلك توجيها سليما ١.
نشأة التفسير الموضوعي:
قد يخيل للقارئ أو الباحث أن هذا العلم أو الاصطلاح "التفسير الموضوعي" لا يعرف لدى علمائنا الأقدمين، وإنما الكتاب المعاصرون هم الذين اعتنوا به وقدموا فيه جهودا قيمة بل صرح بعض الكتاب المعاصرين بهذا الرأي فقال: "هذا النوع لم نجد من عنى به من الأقدمين وإنما جهود متأخرة في الرسائل العلمية تقدم طرفا منه مثل الجهاد في القرآن، المشركون في القرآن، الآيات الكونية في القرآن إلا أننا ما نزال في أمسّ الحاجة إلى المزيد من ذلك"٢ اهـ.
وهذا القول مجانب للصواب، بعيد عن الحقيقة. وهو من فضول الكلام الذي ألقي على عواهنه بدون دراسة ولا بحث ولا رؤية.
وبعضهم يذهب إلى عدم تحديد بداية لهذا الاصطلاح "التفسير الموضوعي" لما عند الأقدمين، كما في عصرنا الحاضر حيث يقول: "إذ إِنه حتى لو وجد هذا اللون من
_________
١ انطر البداية في التفسير الموضوعي ص٦٨-٧٠ د/ عبد الحي الفرماويَ.
٢ دراسات في القرآن الكريم- من التفسير الموضوعي ص ٦ للدكتور: محمد عبد السلام محمد. ط الأولى.
1 / 13
التفسير لدى بعض المتقدمين فإنه لم يكن معروفا وشائعا بينهم بهذا الاسم فيما أعلم"اهـ.
والذي يجدر التنبيه عليه حول هذا الرأي. أن لا مشاحة في الاصطلاح فكون هذا الاصطلاح "التفسير الموضوعي" ما عرف إلا في العصر الحاضر لا ينفي عدم وجود هذا العلم لدى الأقدمين، ولأن قوله "إذ إِنه حتى لو وجد" الخ يثير التشكيك في عدم وجوده وهذا غير وارد بل هو موجود كما سأبين ذلك- إن شاء الله تعالى-.
إن هذا الفن من التفسير اعتنى به العلماء الأقدمون جمعا وترتيبا ودراسة واستنباطا وجالوا فيه وصالوا. وكان من فرسان ميدانه العلم العالم مقاتل بن سليمان الأزدي ت ١٥٠ هـ حيث ألف فيه كتابا قيما سماه "تفسير الخمسمائة آية في الأمر والنهي والحلال والحرام " جعل ترتيبه على طريقة الفقهاء- ﵏ في تأليفهم، بدأه بتفسير الإيمان، ثم ذكر أبواب الصلاة، ثم الزكاة، ثم الصيام، ثم الحج، ثم المظالم، ثم المواريث، ثم الربا، ثم الخمر، ثم النكاح، ثم الطلاق، ثم الزنا، ثم ذكر بعض الآداب والمعاملات في دخول البيوت، ثم ذكر أبواب الجهاد.
ومقاتل ﵀ وإن لم يستقص ذكر الآيات ذات الموضوع الواحد في مكان واحد، فهو بحق من أوائل العلماء الذين كتبوا فيما نحن بصدده من التفسير الموضوعي ١.
والمتتبع لجهود علمائنا الأقدمين في هذا الفن التخصصي يجد لهم جهودا قيمة، وأيادي علمية مشرقة وقد تعددت المواضيع القرآنية التي ألفوا فيها فمنها ما وصل إلينا، ومنها الذي لازال حبيسا بين جدران المكتبات وظلامها الدامس ومنها الذي فقد ولم نعلم عنه إلا من خلاله الكتب العلمية أو الثبت العلمي لصاحبها، ومن تلك المواضيع.
كتاب الوجوه والنظائر في القرآن الكريم. للحافظ مقاتل بن سليمان ﵀.
وهذا العلم الجليل علاقته بالتفسير الموضوعي واضحة وقد اعتنى به علماؤنا الأقدمون والمتأخر ون وألفوا فيه كتبا قيمة.
_________
١ وكتابه حقق رسالة ماجستير وقام بتحقيقه عبيد الله لعلى السلمي بالجامعة الإسلامية وانظر ص ٦٠ منه.
1 / 14
يقول الحافظ ابن الجوزي:
"وقد نسب كتاب في الوجوه والنظائر إلى عكرمة، وكتاب آخر إلى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وممن ألف في الوجوه والنظائر الكلبي، ومقاتل بن سليمان، وأبو الفضل العباسي بن الفضل الأنصاري، وروى مطروح بن محمد بن شاكر عن عبد الله بن هارون الحجازي عن أبيه كتابا في الوجوه والنظائر، وأبو بكر محمد بن الحسن النقاش، وأبو عبد الله الحسن بن محمد الدامغاني، وأبو علي بن البناء من أصحابنا، وشيخنا أبو الحسن علي بن عبيد الله ابن الزاغوني، ولا أعلم أحدا جمع الوجوه والنظائر سوى هؤلاء"١ انتهى.
زاد الزركشي: "وأبو الحسن بن فارس وسمى كتابه "الأفراد"٢ وزاد السيوطي: "ومحمد بن عبد الصمد المصري، ثم قالا وقد أفردت في هذا الفن كتابا سميته "معترك الأقران في مشترك القرآن "٣.
قلت: وقد سبق السيوطي في التأليف ابن العماد بن الحنبلي المتوفى سنة ٨٨٧ هـ وعنوان كتابه "كشف السرائر في معنى الوجوه والأشباه والنظائر" مطبوع وقد بين أهل العلم معنى أو المقصد بالوجوه والنظائر.
فقال ابن الجوزي: "واعلم أن معنى الوجوه والنظائر أن تكون الكلمة الواحدة ذكرت في مواضع من القرآن على لفظ واحد، وحركة واحدة وأريد بكل مكان معنى غير الآخر، فلفظ كل كلمة ذكرت في موضع نظير للفظ الكلمة المذكورة في الموضوع الآخر. وتفسير كل كلمة بمعنى غير معنى الآخر هو الوجوه.
فإذا النظائر اسم للألفاظ، والوجوه اسم للمعاني، فهذا الأصل في وضع كتب الوجوه والنظائر.
والذي أراده العلماء بوضع كتب الوجوه والنظائر أن يعرفوا السامع لهذه النظائر أن معانيها تختلف، وأنه ليس المراد بهذه اللفظة ما أريد بالأخرى"٤ انتهى.
_________
١ نزهة الأعين النواظر١/٢.
٢ البرهان في علوم القرآن١/١٠٢.
٣ الإتقان في علوم القران ٢/١٢١.
٤ نزهة الأعين النواظر ١/ ٣٠٢.
1 / 15
وعلى هذا المنوال مشى الزركشي في البرهان فقال: "فالوجوه: اللفظ المشترك الذي يستعمل في عدة معان كلفظ "الأمة". والنظائر كالألفاظ المتواطئة " وذكر غير هذا وتبعه السيوطي في الإتقان١.
طريقة البحث في التفسير الموضوعي:
يرى الدارسون للتفسير الموضوعي أن الكتابة والبحث فيه له طريقان، وأن للدراسة أو البحث فيه منهجا محددا.
أما الطريق الأول لكيفية البحث فيه فهي أن ينظر الباحث إلى السورة القرآنية من أولها إلى آخرها على أنها وحدة متكاملة الفكرة والمنهج والموضوع وقد عالجت ذلك الموضوع العام من خلاله موضوعاتها المتعددة مثال ذلك: سورة المنافقين: موضوعها: فضح المنافقين والتحذير منهم.
وقد عالجت السورة هذا الموضوع من خلال موضوعاتها المتعددة نحو:
١- بيان كذب المنافقين وأنهم يقولون مالا يعتقدون.
٢- جرأتهم على الأيمان الكاذبة تسترا على نفاقهم وخوفا على دمائهم.
٣- صدهم عن سبيل الله بأساليبهم الخبيثة الماكرة.
٤- سيطرة الجبن والخوف عليهم مع أن الناظر لهم يراهم أصحاب أجسام ضخام.
٥- إعراضهم عن الهدى وعدم الاستجابة لهم وصد الناس عنه.
٦- فضح دسائسهم ومناوراتهم وما تحمله نفوسهم اللئيمة من الخبث والغدر والخيانة للإسلام والمسلمين.
٧- تحذير المؤمنين من أن يقعوا في أدنى صفة من صفات المنافقين "وأدنى درجات النفاق عدم التجرد لله والغفلة عن ذكره اشتغالا بالأموال والأولاد، والتقاعس عن البذل في سبيل الله حتى يأتي اليوم الذي لا ينفع فيه البذل والصدقات"٢.
_________
١ البرهان في علوم القرآن١/١٠٢.
٢ الإتقان في علوم القرآن ٢/١٢١.
٣ في ظلال القران ٨/١٠٤ وانظر التحرير والتنوير ٢٨/ ٢٣٣ وتفسير المراغي٢٨/١٠٦.
1 / 16
والطريقة الثانية: هي أن ينظر الباحث إلى الآيات القرآنية المتنوعة في القرآن كله، بجمع تلك الآيات ذات الموضوع الواحد والهدف المشترك في موضوع واحد، ويقوم بدراستها دراسة متكاملة مراعيا ترتيبها حسب أسباب النزول لكي يعرف المتقدم منها من المتأخر مستعينا في ذلك بالسنة الصحيحة وفهم السلف لذلك. ومحاولا قدر جهده وطاقته الإحاطة بجوانب الموضوع كله.
وهذه "الطريقة الثانية هي المعمول بها في مجال البحوث العلمية الموضوعية، وإذا ما أطلقت كلمة "تفسير موضوعي" فلا يفهم منها إلا بحث موضوع من موضوعات القرآن الكريم على مستوى القرآن جميعه"١.
أهمية منهج الدراسة في التفسير الموضوعي.
وبناء على هذه الطريقة فلابد من تحديد منهج لدراسة الموضوع المختار، من أجل الإلمام بأطراف الموضوع، والربط بين أجزائه وإظهاره في صورة متكاملة تكشف للقارئ عظمة القرآن الكريم وأهدافه السامية. وتقضي على الدراسات المبتورة والدعاوى المضللة من المستشرقين وأتباعهم ٢.
تحديد المنهج:
أولا: اختيار الموضوع المراد دراسته.
ثانيا: جمع الآيات القرآنية المتعلقة به.
ثالثا: ترتيبها وفق أسباب النزول لمعرفة المتقدم من المتأخر منها.
رابعا: شرحها شرحا وافيا يجلي مضمونها ويكشف عن مكنونها ويربط بين أجزائها. وإزالة ما يتوهم أنه اختلاف وتناقض بينها أو ناسخ ومنسوخ أو خاص وعام أو مطلق ومقيد أو مجمل ومفسر.
خامسا: الاستعانة في الموضوع بما صح عن النبي ﷺ قاله من السنة الصحيحة المبينة
_________
١ التفسير الموضوعي للقران الكريم ص ١٧ للدكتور محمد أحمد يوسف القاسم.
٢ انظر البدايةَ في التفسير الموضوعي ص ٥٧- ٦١.
1 / 17
لما أجمل، والمفسرة لما أشكل والمقيدة لما أطلق. والمخصصة لما جاء عامًا ١.
سادسا: الاستعانة في هذا كله بفهم السلف الصالح لنصوص الوحيين. وعدم الاتكال على العقل أو الاجتهاد الشخصي إلا بعد استكمال أسباب الأهلية.
_________
١ انظر البداية في التفسير الموضوعي ص ٦١ للفرماوي والتفسير الموضوعي ص ١٧، ١٨ للدكتور محمد القاسم. والتفسير الموضوعي ص ٢٣/ ٢٤ للدكتور أحمد الكومي ومحمد القاسم.
أولا: العقائد في القرآن الكريم الإسلام هو دين الأنبياء والرسل جميعًا لا يقبل الله سبحانه من أحد دينًا سواه قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ الله الإسْلامُ﴾ آل عمران ١٩. وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ آل عمران ٨٥. والله سبحانه أكمل هذا الدين وأتم به على الأمة النعمة ورضيه لهم دينًا فقال سبحانه: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا﴾ المائدة ٣. واختار سبحانه محمدًا صلي الله عليه وسلّم أن يكون خاتما لجميع الأنبياء وأن تكون رسالته خاتمة كذلك لجميع الأديان وناسخة لها. فقال تعالى: "مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ الله وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ" الأحزاب ٤٠. وأمر الله سبحانه الناس جميعًا أن يؤمنوا بالله ورسوله وأن يتبعوه فقال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِالله وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِالله وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ الأعراف ١٥٨. ووصف الله سبحانه دينه بأنه الحق وأن من تمسك به أظهره الله ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ الصف ٩. وجعل الله سبحانه لهذا الدين الهيمنة على من سبقه من الكتب والتصديق بها. قال
أولا: العقائد في القرآن الكريم الإسلام هو دين الأنبياء والرسل جميعًا لا يقبل الله سبحانه من أحد دينًا سواه قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ الله الإسْلامُ﴾ آل عمران ١٩. وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ آل عمران ٨٥. والله سبحانه أكمل هذا الدين وأتم به على الأمة النعمة ورضيه لهم دينًا فقال سبحانه: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا﴾ المائدة ٣. واختار سبحانه محمدًا صلي الله عليه وسلّم أن يكون خاتما لجميع الأنبياء وأن تكون رسالته خاتمة كذلك لجميع الأديان وناسخة لها. فقال تعالى: "مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ الله وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ" الأحزاب ٤٠. وأمر الله سبحانه الناس جميعًا أن يؤمنوا بالله ورسوله وأن يتبعوه فقال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِالله وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِالله وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ الأعراف ١٥٨. ووصف الله سبحانه دينه بأنه الحق وأن من تمسك به أظهره الله ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ الصف ٩. وجعل الله سبحانه لهذا الدين الهيمنة على من سبقه من الكتب والتصديق بها. قال
1 / 18
تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ المائدة ٤٨.
وأول واجب على المكلف فرضه الله عليه هو معرفة ربه الذي خلقه من العدم وهو ليس بحاجة إليه، تكفل سبحانه برزقه لعبده مع عصيان المخلوق لخالقه قال تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى الله رِزْقُهَا﴾ هود ٦٥.
ومعرفة الرب سبحانه لا تكون إلا بتوحيده، الذي خلقهم سبحانه من أجله وفطرهم عليه، وأخذ الميثاق عليهم وهم في الأصلاب، وشهدوا بذلك وأقروا.
قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ الأعراف (١٧٢-١٧٤) . فهذا إخبار منه سبحانه في استخراج ذرية بني آدم من ظهور آبائهم وأصلابهم وأنه أخذ عليهم الإِقرار والشهادة بأنه ربهم غير غافلين، ولا مقلدين لمن أشرك من آبائهم وأنهم أقروا بذلك. وقال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ الله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ الروم.٣. وإقامة الوجه هنا بمعنى الاستمرار على الدين الذي شرعه الله سبحانه لخلقه والعزم على الثبات عليه.
قال ابن كثير ﵀: "يقول تعالى فسدد وجهك، واستمر على الدين الذي شرعه الله من الحنيفيّة ملة إبراهيم، الذي هداك الله لها، وكمّلها لك غاية الكمال، وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة التي فطر الله الخلق عليها، فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده وأنه لا إله غيره"١.
عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة".
وفي رواية لمسلم "ما من مولود يولد إلا وهو على الملة".
_________
١ تفسير القرآن العظيم ٥/٣٥٨ دار الفكر.
1 / 19
وفي رواية له أيضا "إلا على هذه الملة حتى يبين عنه لسانه ".
وفي رواية "ليس من مولود يولد إلا على هذه الفطرة، حتى يعبر عنه لسانه فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه. كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟ ثم يقول أبو هريرة ﵁: ﴿فِطْرَتَ الله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ ١.
وفي رواية لمسلم "كل إنسان تلده أمه على الفطرة وأبواه بعد يهودانه وينصرانه ويمجسانه فإن كانا مسلمين فمسلم، كل إنسان تلده أمه يلكزه الشيطان في حضنيه إلا مريم وابنها" ٢.
وعن عياض بن حمار المجاشعي ﵁: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته:
"ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا. كل مال نحلته عبدًا حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب، وقال إنما بعثتك لأبتليك، وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابًا لا يغسله الماء تقرؤه نائمًا ويقظان وإن الله أمرني أن أحرق قريشًا فقلت ربي إذًا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة قال: استخرجهم كما استخرجوك واغزهم نغزك، وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشًا نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك ٣..الخ.
ومن أجل التوحيد وتحقيقه أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب وشرع الجهاد تحقيقًا للحق وإزهاقا للباطل فبالتوحيد يسعد الإنسان ويدخل الإسلام، وتكون له النجاة في الأولى والآخرة وببعده يشقى ويخرج من الإِسلام، وتكون عاقبته الخزى والعار.
_________
١ رواه البخاري في الجنائز باب إذا أسلم الصبي فمات١/٤١٧ وباب ما قيل في أولاد المشركين ١/٤٢٤ وفي التفسير باب لا تبديل لخلق الله٣/٢٧٥ وفي كتاب القدر باب الله أعلم بما كانوا عاملين ٤/٢٠٩ ورواه مسلم في كتاب القدر باب معني كل مولود يولد على الفطرة ٤/٢٠٤٧ رقم ٢٢، ٢٣،٢٤،٢٥.
٢رواه مسلم في القدر٤/٢٠٤٨رقم ٢٥.
٣ رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ٤/٣١٩٧رقم ٦٣.
1 / 20
والإسلام له جانبان متلازمان ومترابطان لا ينفك أحدهما عن الآخر الأول العقائد والثاني التشريع. إذًا الإسلام عقيدة وشريعة والترابط بين العقيدة والشريعة ترابط قوي لا ينفصل أحدهما عن الآخر فلا شريعة بلا عقيدة، ولا عقيدة بلا شريعة فالفصل بينهما فصل لوجهين لعلمة واحدة.
أصول العقيدة:
أما أصول العقيدة فهي المعروفة والمشهورة بأركان الإيمان وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره:
والدليل على هذه الأركان قوله تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾ الآية١٧٧ البقرة.
ودليل القدر قوله تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾ القمر (٤٩-٥٠) وقوله تعالى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ الفرقان ٢ وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ الإنسان ٣.
قال الثوري في تفسير آية البقرة ﴿لَيْسَ الْبِرَّ﴾ "هذه أنواع البر كلها". قال ابن كثير معلقا على قوله هذا: "وصدق ﵀ فإن من اتصف بهذه الآية، فقد دخل في عرى الإسلام كلها، وأخذ بمجامع الخير كله، وهو الإيمان بالله وأنه لا إله إلا هو، وصدق بوجود الملائكة الذين هم سفرة بين الله ورسوله، والكتاب وهو إسم جنس يشمل الكتب المنزلة من السماء على الأنبياء حتى ختمت بأشرافها وهو القرىن المهيمن على ما قبله من الكتب، الذي إنتهى إليه كل خير واشتمل على كل سعادة في الدنيا والآخرة، ونسخ به كل ما سواه من الكتب قبله، وآمن بأنبياء الله كلهم من أولهم إلى خاتمهم محمد صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين"١.
وقال ابن كثير في تفسير آية القمر: "ولهذا يستدل بهذة الآية الكريمة أئمة السنة على قدر الله السابق لخلقه وهو علمه الأشياء قبل كونها وكتابته لها قبل برئها٢الخ".
_________
١ تفسير القرآن العظيم ١/٣٦٥-٣٦٦.ط دار الفكر.
٢ تفسير ابن كثير ٦/٤٧٩.ط دار الفكر.
1 / 21
وفي الحديث الصحيح أن جبريل ﵇ سأل النبي له عن الإيمان فقال: "الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره قال صدقت ١ فهذه ستة أصول للعقيدة الإسلامية نص عليها كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم. وكل أصل من هذه الأصول يندرج تحته أمران.
الأول: ماذا يتضمن كل أصل.
الثاني: ما هي ثمرة الإيمان بهذا الأصل.
الإيمان بالملائكة:
الإيمان بهذا الأصل يتضمن أربعة أمور:٢
ا- الإيمان بوجودهم جملة أو إجمالا.
٢- الإيمان ببعضهم تفصيلا.
٣- الإيمان بصفاتهم التي وردت فيهم.
٤- الإيمان بأعمالهم التي يقومون بها.
وثمرة الإيمان بهذا الأصل يتلخص في الآتي:
١- زيادة الإِيمان بالله سبحانه.
٢- العلم بعظمة الله سبحانه فإن عظمة المخلوق من عظمة الخالق.
٣- شكر الله على آلائه ونعمه الذي أوكل ببني آدم من يحفظهم بالليل والنهار ويكتب أعمالهم ويحفظون لهم.
٤- محبة الملائكة واحترامهم وتقديرهم لما يقومون به من العبادة لله رب العالمين.
٥- الاطمئنان النفسي على حفظ أعمال الإنسان وعدمِ ضياعها.
٦- الخوف من الله سبحانه مادام يعلم أن عليه كراماَ كاتبين.
٧- أن من آمن بأحدهم يلزمه الإِيمان بكلهم وأن من كفر بأحدهم كفر بجميعهم.
تفصيل القول في هذا الأصل:
١- تعريف الملائكة: هم عالم غيبي، خلقهم الله من نور وهم عباد مكرمون
_________
١ رواه مسلم في الإيمان ١/٣٧ رقم ١.
٢ انظر رسالة نبذة في العقيدة الإسلامية ص١٩/٢٠ لابن عثيمين.
1 / 22
يسبحون الله بالليل والنهار لا يفترون ولا يسأمون ولا يستكبرون بريئون مما وصفهم به الظالمون، لهم أوصاف وأعمال متنوعة وعددهم لا يعلمه إلا الله سبحانه١.
٢- الإِيمان بهم: الإِيمان بهم ركن من أركان الإِيمان، ومن أنكرهم كفر. قال تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾ الآية ١٧٧ البقرة.
وقال تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِالله وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾ الآية ٢٨٥ البقرة.
وفي صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب ﵁ قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله ﷺ ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لايرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي فيها فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه وقال: يا محمد أخبرني عن الإِسلام؟ فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعث إليه سبيلا. قال صدقت. فعجبنا له يسأله ويصدقه قال أخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت. الحديث ٢.
يقول ابن كثير ﵀ في تفسير الآية الأولى: "اشتملت هذه الآية الكريمة على جمل عظيمة، وقواعد عميقة، وعقيدة مستقيمة ... فإن من اتصف بهذه الآية فقد دخل فما عرى الإِسلام كلها، وأخذ بمجامع الخير كله، وهو الإِيمان بالله، وأنه لا إله إلا هو، وصدق بوجود الملائكة الذين هم سفرة بين الله ورسله"٣.
٣- أسمائهم: ورد في القرآن الكريم ذكر الملائكة ﵈ مجملا في مواطن
_________
١ أنظر معارج القبول ١/٦٣ ونبذة في العقيدة الإِسلامية ص ١٩ لابن عثيمين.
٢ رواه مسلم في كتاب الإيمان باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ١/٣٦ رقم ١.
٣ تفسير القرآن العظيم ١/ ٣٦٤، ٣٦٥. ط دار الفكر.
1 / 23
عديدة كثيرة، وورد في بعض المواطن منها ذكر بعض أسماء الملائكة خصوصًا. فمن ذلك.
أ- جبريل ﵇:
قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ الله مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ الله عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ البقرة/٩٧،٩٨. ومن أسمائه ﵇.
أ- الروح الأمين:
قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ . الشعراء١٩٢-١٩٤.
قال ابن كثير ﵀ في تفسير هذه الآية (نزل به الروح الأمين): "وهو جبريل ﵇ قاله غير واحد من السلف: ابن عباس ومحمد بن كعب وقتادة وعطية العوفي والسدي والضحاك والزهري وابن جريح وهذا مما لا نزاع فيه. قال الزهري: وهذه كقوله: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ الله مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ ١.
ب- روح القدس:
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ..﴾ الآية ٨٧ البقرة.
وقال تعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ الله وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ..﴾ الآية ٢٥٣ البقرة.
وقال تعالى: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ الآية ١٠٢ النحل.
والدليل على أن روح القدس هو جبريل ﵇ ما ثبت في الحديث الصحيح
_________
١ تفسير الَقرآن العظيم ٥/٢٠٥ دار الفكر.
1 / 24
عن أبي هريرة ﵁ أن عمر بن الخطاب ﵁ مر بحسان بن ثابت ﵁ وهو ينشد الشعر في المسجد فلحظ إليه فقال: كنت أنشد فيه، وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: أنشدك بالله أسمعت رسول الله يقول: أجب عني، اللهم أيده بروح القدس؟ فقال: اللهم نعم ١.
وفي رواية: أن رسول الله صلي الله وسلم قال لحسان: "أهجهم أو هاجهم وجبريل معك" ٢.
وعن عائشة ﵂ أن رسول الله ﷺ وضع لحسان بن ثابت منبرًا في المسجد، فكان ينافح عن رسول الله ﷺ فقال رسول الله ﷺ: "اللهم أيد حسان بروح القدس كما نافح عن نبيك" ٣.
قال ابن كثير ﵀:٤.
"فهذا من البخاري تعليقًا، وقد رواه أبو داود في سننه عن ابن سيرين والترمذي عن علي بن حجر وإسماعيل بن موسى الفزارى ثلاثتهم عن أبي عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن هشام بن عروة كلاهما عن عروة عن عائشة به. قال الترمذي حسن صحيح وهو حديث أبي الزناد".
والقول بأن روح القدس هو جبريل ﵇ نص عليه من السلف ﵏ عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس ﵃ ومحمد بن كعب، وإسماعيل ابن خالد والسدى والربيع بن أنس وعطية العوفي وقتادة٥. وجبريل ﵇ موكل بالوحي الرباني من دون الملائكة إلى الرسل أجمعين ﵈.
ج: وصفه:
"وقد ذكر الله سبحانه شأن جبريل ﵇ في كتابه ووصفه بأنه قوى شديد.
قال تعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُو َ
_________
١ رواه البخاري في بدء الخلق باب ذكر الملائكة ٤ /٣٠٤، ومسلم في فصائل الصحابة٤/١٩٣٣رقم١٥١، ١٥٣.
٢ المصدر السابق.
٣ رواه البخاري في المغازي باب حديت الإفك ٧/٤٣٦، ومسلم في فضائل الصحابة٤/١٩٣٣رقم١٥٥،١٥٤.
٤ تفسير القرآن العظيم ١/ ٢١٤ ط دار الفكر.
٥ تفسير القرآن العظيم ١/ ٢١٤ ط دار الفكر.
1 / 25
بِالأُفُقِ الأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ النجم (٤-٩) . وقال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ. مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ﴾ . التكوير (١٩-٢١) .
وقد رآه النبي ﷺ على صورته التي خلقه الله عليها مرتين. الأولى رآه في الدنيا على خلقته وله ستمائة جناح كما ورد في الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود ﵁ أن النبي علميه رأى جبريل له ستمائة جناح ١.
والمرة الثانية رآه عند سدرة المنتهى. كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى﴾ .
وعن أبي هريرة ﵁: ولقد رآه نزلة أخرى: قال رأى جبريل ٢
وسأل مسروق عائشة ﵂ عن قول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ﴾ ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾ فقالت أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسوله الله صلي الله عليه وسلم فقال: " إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطًا من السماء سادا عظيم خلقه ما بين السماء إلى الأرض" ٣.
أما بقية الأوقات الأخرى فكان يراه على صورة رجل كما ورد يا الحديث الصحيح عن عمر بن الخطاب ﵁ قال بينما نحن جلوس عند رسول الله ﷺ ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر لايرى عليه أثر السفر، لا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلي الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه ٤ الحد يث.
٢- ميكال:
قال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ الله عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ الآية ٩٨ البقرة.
_________
١ رواه مسلم في الإيمان١/١٥٨ رقم ٠٢٨٠، ٢٨٢، ٢٨٣، ٢٨٧، وانظر صحيح البخاري كتاب التفسير٨/٦٠٦ مع الفتح، وانظر تفسير ابن كثير ٦/ ٤٤٤،٤٥١،٤٥٠ ط الفكر ومعارج القبول ١/٦٤.
٢ المصدر السابق.
٣ المصدر السابق.
٤ انظر تخريجه ص ٢٣.
1 / 26
وهو موكل بالقطر وتصاريفه إلى حيث أمره الله ﷿ وله أعوان يفعلون ما يأمرهم به بأمر ربه، ويصرفون الرياح، والسحاب، كما يشاء الله ﷿. وقد جاء في بعض الآثار: ما من قطرة تنزل من السماء إلا ومعها ملك يقررها في موضعها من الأرض.
وفي حديث ابن عباس عند الطبراني أنه صلي الله عليه وسلم: "قال لجبريل: على أي شيء ميكائيل؟ قال على النبات والقطر".
ولأحمد عن أنس بن مالك ﵁ عن النبي صلي الله عليه وسلم: "أنه قال لجبريل- ﵇ مالي لم أر ميكائيل ضاحكًا قط؟ فقال ﵇ ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار" ١.
٣-مالك:
وهو خازن النار كما ذكر ابن كثير قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ الزخرف (٧٤- ٧٨) . وفي الحديث الصحيح عن يعلي بن أمية ﵁ قال سمعت رسول الله صلي الله وسلم يقرأ على المنبر ﴿يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ...﴾ ٢.
قال ابن كثير عقبه: "أي يقبض أرواحنا فيريحنا مما نحن فيه فإنهم كما قال تعالى: لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها"٣.
٤- ملك الموت:
ورد في بعض الآثار اسمه عزرائيل. وأيا كان فإنه ورد في القرآن باسم ملك الموت. قال تعالى: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ السجدة ١١.
_________
١ معارج القبول ١/ ٦٥. وحديث أنس رواه أحمد في المسند ٣/ ٢٢٤.
٢ رواه البخاري في كتاب التفسير تفسير سورة الزخرف ٨/٥٦٨.
٣ تفسير ابن كثير ٦/ ٢٤٠. ط الفكر.
1 / 27
قال ابن كثير: "الظاهر من هذه الآية أن ملك الموت شخص معين من الملائكة كما هو المتبادر من حديث البراء المتقدم ذكره في سورة إبراهيم. وقد سمى في بعض الآثار بعزرائيل وهو المشهور، قال قتادة وغير واحد وله أعوان، وهكذا ورد في الحديث أن أعوانه ينتزعون الأرواح من سائر الجسد حتى إذا بلغت الحلقوم، تناولها ملك الموت " ١.
قلت: حديث البراء بن عازب حديث طويل والشاهد فيه أن رسول الله ﷺ قال: "استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثا ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد لبصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه ... الحديث" ٢.
رابعا: صفاتهم:
للملائكة صفات متعددة ومتنوعة منها ما هو خاص بذواتهم. ومنها ما يشاركهم فيه غيرهم. وسأقتصر في هذا الموضوع على ما ورد به نص صحيح.
أ- أنهم يحملون الأشياء. قال تعالى: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ ٢٤٨ البقرة.
وهذا فيه رد على الذين يقولون إن الملائكة ليسوا أجساما وإنما هم عبارة عن قوى الخير الكامنة في المخلوقات٣.
٢- أنهم يتكلمون مع البشر. ودليل هذا من الكتاب والسنة المطهرة. أما الكتاب فقوله تعالى في قصة زكريا ﵇:. ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ الله يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ الله وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ آل عمران ٣٩. وقال تعالى في شأن مريم ﵍: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ
١ تفسير القرآن العظيم ٥/٤٠٧. ط دار الفكر.
٢ رواه أحمد في المسند ٤/٢٨٧.
٣ انظر رسالة في العقيدة الإسلامية ص ٢٠ لابن عثيمين.
1 / 28
إِنَّ الله اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ آل عمران (٤٢-٤٣) . وقال تعالى: ﴿قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ﴾ الذاريات ٢٨. وقال تعالى: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ. وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ آل عمران (٤٥-٤٦) . وقال تعالى: ﴿قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾ هود ٨١.
ومن السنة: مساءلة جبريل ﵇ للنبي صلي الله عليه وسلم عن الإِيمان والإِسلام والإحسان١. ومخاطبته له بعد غزوة الأحزاب أن لا يضع السلاح ...
٣- أنهم يتمثلون أحيانًا في صورة البشر وهذا ثابت بالقرآن والسنة. أما القرآن فقال تعالى في شأن مريم ﵍: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا﴾ مريم١٦-٢١. وقال تعالى في قصة إبراهيم ولوط ﵉: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ هود (٦٩-٧١) .
وقال تعالى: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ﴾ الذاريات (٢٤-٢٨) .
_________
١ انظر تخريج الحديث ص ٢٣.
1 / 29
٤- الله سبحانه يصطفي منهم رسلا: قال الله تعالى: ﴿الله يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ الحج ٧٥. قال ابن كثير: "يخبر الله تعالى أنه يختار من الملائكة رسلا فيما يشاء من شرعه وقدره ومن الناس لإبلاغ رسالته"١ واصطفاء الله من الملائكة رسلا المراد منه أن يكونوا رسلا بينه سبحانه وبين أنبيائه من عباده، ليبلغوا ماكلفوا به.
قال تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا﴾ فاطر آية (١) . قال ابن كثير: "وقوله تعالى: ﴿جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا﴾ أي بينه وبين أنبيائه"٢.
وقوله تعالى في حق جبريل ﵇: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ التكوير ١٩.
وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ﴾ الأنعام ٦١.
٥- أن الرسل من الملائكة لهم أجنحة. ذكر الله سبحانه في سورة الفرقان أنه سبحانه يصطفي من الملائكة رسلًا. وذكر سبحانه في هذه الآية أن أولئك الرسل من الملائكة لهم أجنحة وتلك الأجنحة متعددة منهم. قال تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فاطر آية (١) .
قال ابن كثير ﵀: "وأولي أجنحة أي يطيرون بها ليبلّغوا ما أمروا به مثنى وثلاث ورباع أي منهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة ومنهم من له أربعة، ومنهم من له أكثر من ذلك، كما جاء في الحديث أن رسول الله صلي الله عليه وسلم رأى جبريل ﵇ ليلة الإسراء وله ستمائة جناح٣، بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب ولهذا قال جل وعلا: ﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ٤.
_________
١ تفسير القرآن العظيم ٤/٥٦٧ دار الفكر.
٢ تفسير القرآن العظيم٥/٥٦٧. ط دار الفكر.
٣ صح ذلك من حديث ابن مسعود عند مسلم في كتاب الإيمان باب في ذكر سدرة المنتهى١/١٥٨.
٤ تفسير القرآن العظيم٥/٥٦٧. ط دار الفكر.
1 / 30