بِحَلالٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مِنَ الَّذِينَ، قَالَ اللَّهُ: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾) (^١).
ومن هؤلاء الرجال الذين امتدحهم الله ﵎ لأنهم باعوا أنفسهم بجميع ما حصلوه من المال في سبيل الله، صهيب بن سنان الرومي ﵁ حَيْنَ أَرَادَ الْهِجْرَةَ قَالَ لَهُ كُفّارُ قُرَيْشٍ: أَتَيْتنَا صُعْلُوكًا حَقِيرًا، فَكَثُرَ مَالُك عِنْدَنَا، وَبَلَغْت الّذِي بَلَغْت، ثُمّ تُرِيدُ أَنْ تَخْرُجَ بِمَالِك وَنَفْسِك، وَاَللّهِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ صُهَيْبٌ أَرَأَيْتُمْ إنْ جَعَلْت لَكُمْ مَالِي أَتُخْلُونَ سَبِيلِي؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ فَإِنّي جَعَلْت لَكُمْ مَالِي. قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ ﷺ فَقَالَ رَبِحَ صُهَيْبٌ رَبِحَ صُهَيْبٌ. (^٢)
فكذلك يجب على العبد المسلم الذي يرجو تزكية نفسه وصلاحها ألا يقدِّم مصلحته الذاتية، ورغبته الشخصية على أمر الله تعالى، فيتعامل بالمعاملات المحرمة، وإن أدى ما افترضه الله عليه من صلاة وزكاة وغيرها من الأعمال، فإن الله تعالى كما أمر بهذه العبادات أمر بالكسب الطيب فقد ثبت عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال ﴿يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١)﴾ [المؤمنون: ٥١]، وقال ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [البقرة: ١٧٢] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك؟) (^٣). فتقديم أمر الله ﷿ بالأكل من الطيبات إنما هو تقديم لهوى النفس من الجشع والتكاثر بالمال.
(^١) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده، انظر التفسير (٨/ ٢٦٠٧). (^٢) أخرجه ابن حبان في صحيحه مرسلا عن أبي عثمان النهدي، في كتاب المناقب برقم (٧٠٨٢) قال شعيب الأرناؤوط: رجاله ثقات رجال الشيخين وهو مرسل، وأخرجه الحاكم في مستدركه،كتاب معرفة الصحابة باب مناقب صهيب موصولا عن ثابت عن أنس برقم (٥٧٠٠) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وصححه الشيخ الألباني ﵀ في تخريجه لفقه السيرة، انظر: فقه السيرة، (ص ١٥٧). (^٣) رواه مسلم، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، برقم (١٠١٥).
1 / 62