المفاوضات بين التتار والخلافة العباسية
لم يضيع بيجو الوقت، فانتقل بجيشه من الأنبار مباشرةً إلى شمال بغداد وحاصرها، فطوقت بغداد بين هولاكو وبيجو وكتبغا.
فاستغل مؤيد الدين العلقمي الفرصة وقال للخليفة: لابد أن نجلس مع التتار على طاولة المفاوضات، وكان الخليفة عارفًا أنه إذا جلس قوي شديد القوة مع ضعيف شديد الضعف، فإن هذا لا يعني أبدًا مفاوضات، وإنما يعني استسلامًا، وفي الاستسلام عادة ما يقبل المهزوم بشروط المنتصر دون تعديل أو اعتراض، ومع ذلك وافق الخليفة المسكين على الاستسلام، أي: على المفاوضات، فبعث وفدًا رسميًا للمفاوضات مكونًا من مؤيد الدين العلقمي الشيعي الذي يكن في قلبه كل الحقد والغل والغيظ على الخلافة العباسية، وأرسل معه البطريرك النصراني ماكيكا، فكان الوفد الرسمي الممثل للخلافة الإسلامية العباسية العريقة في المفاوضات مع التتار لا يضم إلا رجلين فقط: أحدهما: شيعي، والآخر: نصراني.
فدارت المفاوضات السرية جدًا بين هولاكو وبين ممثلي الخلافة العباسية الإسلامية، وأعطيت الوعود الفخمة من هولاكو لكليهما إن ساعداه على إسقاط بغداد، وكان أهم هذه الوعود أن يكونا عضوين في مجلس الحكم الجديد الذي سيحكم العراق بعد احتلالها من التتار، فعاد المبعوثان الساميان من عند هولاكو إلى الخليفة بالشروط التترية، وهذه العروض والوعود كانت: أولًا: إنهاء حالة الحرب بين الدولتين، وإقامة علاقة سلام دائم.
ثانيًا: زواج ابنة هولاكو الزعيم التتري، الذي سفك دماء مئات الآلاف من المسلمين بابن الخليفة المسلم المستعصم بالله، وكان هذا شيئًا كبيرًا على المستعصم بالله.
ثالثًا: بقاء المستعصم بالله على كرسي الحكم، وكان هذا شيئًا مهمًا جدًا بالنسبة له.
رابعًا: إعطاء الأمان لأهل بغداد جميعًا لو فتحت أسوارها.
وأما الشروط فأولها وأهمها: قمع حركة الجهاد التي أعلنت في بغداد؛ لأن الدعوة إلى الجهاد ستنسف كل مباحثات السلام، وعلى خليفة المسلمين أن يسلم إلى هولاكو رءوس الحركة الإسلامية ببغداد مجاهد الدين أيبك وسليمان شاه.
ثانيًا: تدمير الحصون العراقية، وردم الخنادق، وتسليم الأسلحة.
ثالثًا: الموافقة على أن يكون حكم بغداد تحت رعاية أو مراقبة تترية.
وختم هولاكو المباحثات مع المبعوثين الساميين بأنه جاء إلى هذه البلاد لإرساء قواعد العدل والحرية والأمان، وبمجرد أن تستقر الأمور وفق الرؤية التترية، فإنه سيعود إلى بلاده، ويترك العراقيين يضعون دستورهم، ويديرون شئون بلادهم بأنفسهم.
فقال: مؤيد الدين العلقمي الشيعي للخليفة: إن هذه المفاوضات مرضية جدًا، وشروطها بسيطة سهلة، والتتار عندهم وعود وعهود، وهولاكو رجل طيب، فكان الخليفة مضطرًا إلى الموافقة مع شك كبير جدًا، فالشروط في قلبه قاسية جدًا، فهو متردد وليس قادرًا على الموافقة عليها، مع أن الموقف خطير، والوزراء يحاولون إقناعه بأنه لا أمل له في الحياة إلا إذا أطاع هولاكو، فهو يرى أنه سيعيش ذليلًا وضيعًا، وسيبيع كل شيء بثمن بخس، فهو متردد، والشعب الضخم الذي كان يعيش في بغداد كان أيضًا مترددًا، ونداء الجهاد لم يعد ينبعث إلا من بعض الأفواه القليلة جدًا، فعامة الناس انخلعت قلوبهم لحصار التتار، فقد عظمت الدنيا جدًا في عيون أهل بغداد في ذلك الزمن، واستحال عليهم أن يضحوا بالدنيا، فقد كثر الخبث فعلًا في بغداد، وإذا كثر الخبث فالهلكة قريبة جدًا.
5 / 10