اضطهاد بني إسرائيل من فرعون
وَكَانَ فِرْعَوْنُ الْمَلِكَ، وَهَامَانُ الْوَزِيرَ، وكان فرعون قد قَسَّمَ رَعِيَّتَهُ إِلَى أَقْسَامٍ وَفِرَقٍ وَأَنْوَاعٍ ﴿يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ﴾ وَهُمْ شَعْبُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، الَّذِينَ هُمْ مِنْ سُلَالَةِ نَبِيِّ اللَّهِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ. وَكَانُوا إِذْ ذَاكَ خِيَارَ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَقَدْ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هَذَا الْمَلِكَ الظَّالِمَ الْغَاشِمَ الْكَافِرَ الْفَاجِرَ، يَسْتَعْبِدُهُمْ وَيَسْتَخْدِمُهُمْ فِي أَخَسِّ الصَّنَائِعِ وَالْحِرَفِ، وَأَرْدَئِهَا، وَأَدْنَاهَا، وَمَعَ هَذَا ﴿يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ وَكَانَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى هَذَا الصَّنِيعِ الْقَبِيحِ، أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا يَتَدَارَسُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ مَا كَانُوا يَأْثُرُونَهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ، ﵇، مِنْ أَنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ غُلَامٌ يَكُونُ هَلَاكُ مَلِكِ مِصْرَ عَلَى يَدَيْهِ، وَذَلِكَ-وَاللَّهُ أَعْلَمُ- حِينَ جَرَى عَلَى سَارَّةَ امْرَأَةِ الْخَلِيلِ مِنْ مَلِكِ مِصْرَ، مِنْ إِرَادَتِهِ إِيَّاهَا عَلَى السُّوءِ، وَعِصْمَةِ اللَّهِ لَهَا.
وتَذَاكَرَ فِرْعَوْنُ وَجُلَسَاؤُهُ مَا يتحدث به بنو إسرائيل أنّ اللهَ ﷿ وَعَدَ إِبْرَاهِيمَ ﷺ أَنْ يَجْعَلَ فِي ذُرِّيَّتِهِ أَنْبِيَاءً وَمُلُوكًا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَيَنْتَظِرُونَ ذَلِكَ، مَا يَشُكُّونَ فِيهِ، وَقَدْ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّهُ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ عَلَيْهِمَا الصَلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَلَمَّا هَلَكَ، قَالُوا: ليْسَ هَكَذَا كَانَ وَعْدُ إِبْرَاهِيمَ ﵇. قَالَ فِرْعَوْنُ: فَكَيْفَ تَرَوْنَ؟، فَأتَمَرُوا وَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ رِجَالًا بِالشِّفَارِ يَطُوفُونَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فلَا يَجِدُونَ مَوْلُودًا ذَكَرًا إِلَّا ذَبَحُوهُ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَلَمَّا أَنْ رَأَوْا أَنَّ الْكِبَارَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يَمُوتُونَ بِآجَالِهِمْ، وَالصِّغَارَ يُذْبَحُونَ، قَالُوا: تُوشِكُونَ أَنْ تُفْنُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَتَصْيرُونَ إلَى أَنْ تُبَاشِرُوا مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْخِدْمَةِ الَّذِينَ كَانُوا يَكْفُونَكُمْ، فَاقْتُلُوا عَامًا كُلَّ مَوْلُودٍ ذَكَرٍ، فَيَقِلَّ نَبَاتُهُمْ، وَدَعُوا عَامًا، فلَا تَقْتُلُوا مِنْهُمْ أَحَدًا، فَيَنْشَأُ الصِّغَارُ مَكَانَ مَنْ يَمُوتُ مِنَ الْكِبَارِ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَكْثُرُوا بِمَنْ تَسْتَحْيُوا مِنْهُمْ، فَتَخَافُوا مُكَاثَرَتَهُمْ إيَّاكُمْ، وَلَنْ يَفْنَوْا بِمَنْ تَقْتُلُونَ، فَتَحْتَاجُونَ إِلَيْهِمْ، فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ.
وروي أَنَّ فِرْعَوْنَ رَأَى فِي مَنَامِهِ كَأَنَّ نَارًا قَدْ أَقْبَلَتْ مِنْ نَحْوِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأَحْرَقَتْ دَوْرَ مِصْرَ وَجَمِيعَ الْقِبْطِ، وَلَمْ تَضُرَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ هَالَهُ ذَلِكَ فَجَمَعَ الْكَهَنَةَ وَالْحُزَاةَ وَالسَّحَرَةَ وَسَأَلَهُمْ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ الْكَهَنَةُ: هَذَا غُلَامٌ يُولَدُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَكُونُ سَبَبَ هَلَاكِ أَهْلِ مِصْرَ عَلَى يَدَيْهِ.
1 / 75