فضائل خليل الله إبراهيم ووفاته
وَقَد آتَى اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ فِي صِغَرِهِ، وَابْتَعَثَهُ رَسُولًا، وَاتَّخَذَهُ خَلِيلًا فِي كِبَرِهِ. ولم يشاركه في الخلة إلا محمد صلى الله عليهما وسلم.
وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ ﵇ يَعْلَمُ قُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى عِلْمًا يَقِينًا لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ، وَأَحَبَّ أَنْ يُشَاهِدَ ذَلِكَ عِيَانًا، وَيَتَرَقَّى مِنْ عِلْمِ الْيَقِينِ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ فسألَ اللهَ ذلك. فَأَجَابَهُ اللَّهُ إِلَى سُؤَالِهِ، وَأَعْطَاهُ غَايَةَ مَأْمُولِهِ. فَأَمَرَهُ أن يحضر أربعة من الطير وأَنْ يُمَزِّقَ لُحُومَهُنَّ وَرِيشَهُنَّ، وَيَخْلِطَ ذَلِكَ بَعْضَهُ فِي بَعْضٍ، ثُمَّ يُقَسِّمُهُ قِسَمًا، وَيَجْعَلَ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا فَفَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ، ثُمَّ أُمِرَ أَنْ يَدْعُوَهُنَّ بِإِذْنِ رَبِّهِنَّ، فَلَمَّا دَعَاهُنَّ جَعَلَ كُلُّ عُضْوٍ يَطِيرُ إِلَى صَاحِبِهِ، وَكُلُّ رِيشَةٍ تَأْتِي إِلَى أُخْتِهَا حَتَّى اجْتَمَعَ بَدَنُ كُلِّ طَائِرٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى قُدْرَةِ الَّذِي يَقُولُ لِلشَّيْءِ: كُنْ؛ فَيَكُونُ. فَأَتَيْنَ إِلَيْهِ سَعْيًا لِيَكُونَ أَبْيَنَ لَهُ وَأَوْضَحَ لِمُشَاهَدَتِهِ مِنْ أَنْ يَأْتِينَ طَيَرَانًا.
وأجرى الله على يديه بناء الكعبة وهي بيت الله الحرام الذي جعله قيامًا للناس ومثابة وأمنًا وعهد الله إليه ولابنه تبعًا له تطهير البيت للطائفين، والعاكفين، والركع، والسجود. وأمر اللهُ سبحانه المؤمنين بأن يتخذوا من مقام إبراهيم مصلى في المسجد الحرام والعبادة في مواقف الحج كلها، وهو ﵇ أول من يكسى يوم القيامة، ولم يأت نبي بعد إبراهيم إلا من ذريته. وأَوْلَادُ الْمُسْلِمِينَ (^١) فِي جَبَلٍ فِي الْجَنَّةِ، يَكْفُلُهُمْ إِبْرَاهِيَمُ ﵇ وَسَارَةُ، حَتَّى يَرُدَّونَهُمْ إِلَى آبَائِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وإبراهيم ﵇ يَعترفُ بفَضْلِه جميعُ الطَّوائفِ والمِلَل؛ فالمشرِكونَ العرب كانوا معترفينَ بفَضْلِه، مُقِرِّين بأنَّهم مِن أولادِه، واليهودُ والنَّصارى والمسلمونَ كُلُّهم مُعَظِّمونَ له، مُعترفونَ بجلالةِ قَدْرِه.
_________
(^١) الأطفال الذين يموتون وهم صغار. وكذلك أولاد المشركين الصغار.
1 / 55