مكانة الإمام أبي حنيفة في الحديث
الناشر
مكتب المطبوعات الإسلامية
رقم الإصدار
الرابعة
سنة النشر
١٤١٦ م
مكان النشر
حلب
تصانيف
أَهْلِ الكُوفَةِ دَارِ الشِّيعَةِ، وَقَدْ لَقِيَ مِنَ الشِّيعَةِ، وَسَمِعَ مِنْ فَضَائِلِ عَلِيٍّ مَا شَاءَ اللَّهُ، وَهُوَ يُحِبُّهُ وَيَتَوَلاَّهُ، وَمَعَ هَذَا أَنْكَرَ هَذَا الحَدِيثَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ. وَأَبُو حَنِيفَةَ أَعْلَمُ وَأَفْقَهُ مِنَ الطَّحَاوِيِّ وَأَمْثَالِهِ، وَلَمْ يُجِبْهُ ابْنُ النُّعْمَانِ بِجَوَابٍ صَحِيحٍ، بَلْ قَالَ: عَنْ غَيْرِ مَنْ رَوَيْتَ عَنْهُ حَدِيثَ: «يَا سَارِيَةُ الجَبَلَ».
فَيُقَالُ لَهُ: هَبْ أَنَّ ذَلِكَ كَذِبٌ، فَأَيُّ شَيْءٍ فِي كَذِبِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ هَذَا. فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَأَبُو حَنِيفَةَ لاَ يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ لِعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا كَرَامَاتٌ، بَلْ أَنْكَرَ هَذَا الحَدِيثَ ; لِلدَّلاَئِلِ الكَثِيرَةِ عَلَى كَذِبِهِ، وَمُخَالَفَتِهِ لِلشَّرْعِ وَالْعَقْلِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمَعْرُوفِينَ بِالحَدِيثِ، مِنَ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ، وَهُمُ الذِينَ يَرْوُونَ عَنِ الصَّحَابَةِ، بَلْ لَمْ يَرْوِهِ إِلاَّ كَذَّابٌ أَوْ مَجْهُولٌ لاَ يُعْلَمُ عَدْلُهُ وَضَبْطُهُ، فَكَيْفَ يُقْبَلُ هَذَا مِنْ مِثْلِ هَؤُلاَءِ؟!، وَسَائِرُ عُلَمَاءِ المُسْلِمِينَ يَوَدُّونَ أَنْ يَكُونَ مِثْلُ هَذَا صَحِيحًا ; لِمَا فِيهِ مِنْ مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ ﷺ وَفَضِيلَةِ عَلِيٍّ، عَلَى الَّذِينَ يُحِبُّونَهُ وَيَتَوَلَّوْنَهُ، وَلَكِنَّهُمْ لاَ يَسْتَجِيزُونَ التَّصْدِيقَ بِالكَذِبِ، فَرَدُّوهُ دِيَانَةً، وَاللهُ أَعْلَمُ».
وقال في موضع آخر من الكتاب المذكور (١): «... أَئِمَّةِ أَهْلِ الحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ وَالتَّصَوُّفِ وَالفِقْهِ، مِثْلِ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَأَتْبَاعِهِمْ».
وقال أبو الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - في كتابه " البداية والنهاية " (٢):
_________
(١) ١/ ١٧٢، ١٧٣.
(٢) ٦/ ٨٥، ٨٦ الطبعة الأولى سَنَةَ ١٩٦٦، مكتبة المعارف - بيروت.
1 / 29