مواقف العلماء عبر العصور في الدعوة إلى الله تعالى
الناشر
مطبعة سفير
مكان النشر
الرياض
تصانيف
عساكر السلطان إلى مصر، ودخل التتار إلى دمشق، وعاثوا في الأرض فسادًا، وحينئذ اجتمع الشيخ تقي الدين بأعيان البلد، واتفقوا على السير إلى قازان في يوم الاثنين الثالث من ربيع الثاني سنة ٦٩٩هـ) (١) والتحدث إليه، فلما وصلوا إلى قازان قائد التتار في بلدة النبك، المجاورة لدمشق، قابله الشيخ، وطلب منه الأمان لأهل دمشق، ورد الأسرى من المسلمين وأهل الذمة، ثم تكلم معه كلام الأبطال الشجعان، فأنزل اللَّه الرعب في قلب السلطان، وسأل: من هذا الشيخ؟ فإني لم أر مثله، ولا أثبت قلبًا منه، ولا أوقع منه حديثًا في قلبي، ولا رأيتني أعظم انقيادًا لأحد منه، فأُخبر بما له وما هو عليه من العلم والعمل، ثم قال له الشيخ بواسطة الترجمان: «إنك تزعم أنك مسلم، ومعك قاض، وإمام وشيخ، ومؤذنون، فغزوتنا، وأبوك وجدك كانا كافرين، وما عملا الذي عملت عاهدا فوفّيا، وأنت عاهدت فغدرت، وقلت فما وفيّت، وجُرْتَ».
ثم قدم لهم قازان طعامًا فأكلوا، ولم يأكل ابن تيمية، فسُئل عن ذلك؟ فقال: كيف آكل من طعامكم، وكله مما نهبتم من أغنام الناس، وطبختموه بما قطعتم من أشجار الناس، فطلب منه قازان الدعاء، فقال في دعائه: «اللَّهم إن كان عبدك هذا إنما يقاتل لتكون كلمتك هي العليا؛ وليكون الدين كله لك، فانصره وأيده، وملّكه
_________
(١) انظر: البداية والنهاية ١٤/ ٧، ١٠، ١٤.
1 / 17