تمامًا، وكان عليّ طوال مدة خلافته هكذا معه لا يريد أن يلقي نفسه في المخاطر فصار كالرقيب عليه، محافظًا على حياته، ساهرًا على مصالحه، راجيًا له البقاء والدوام، ناصحًا مناصحًا لله وفي الله وصلاح الأمة وفلاحها، ولذلك لما استشاره في الشخوص لقتال الفرس بنفسه منعه من ذلك وقال له:
إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا بقلة. وهو دين الله الذي أظهره، وجنده الذي أعدّه وأمدّه، حتى بلغ ما بلغ، وطلع حيث طلع، ونحن على موعود من الله، والله منجز وعده، وناصر جنده، ومكان القيم بالأمر مكان النظام من الخرز يجمعه ويضمه: فإن انقطع النظام تفرق الخرز وذهب، ثم لم يجتمع بحذافيره أبدًا. والعرب اليوم، وإن كانوا قليلًا، فهم كثيرون بالإسلام، عزيزون بالاجتماع! فكن قطبًا واستدر الرحا بالعرب، وأصلهم دونك نار الحرب، فإنك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها، حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك مما بين يديك.
إن الأعاجم إن ينظروا إليك غدًا يقولوا: هذا أصل العرب، فإذا اقتطعتموه استرحتم، فيكون ذلك أشد لكلبهم عليك، وطمعهم فيك. فأما ما ذكرت من مسير القوم إلى قتال المسلمين، فإن الله سبحانه هو أكره لمسيرهم منك، وهو أقدر على تغيير ما يكره. وأما ما ذكرت من عددهم، فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة وإنما كنا نقاتل بالنصر والمعونة" (١).
فهل بعد ذلك شك لشاك بأن عليًا ﵁ كان يعدّ الفاروق مصداقًا لرؤيا رسول الله ﷺ الذي أخبر عنه، وبشر به المسلمين بأن الإسلام يبلغ مداه في عصره وعهده، ولذلك يقول علي ﵁: ونحن على موعود من الله، والله منجز وعده، وناصر جنده الخ.
(١) "نهج البلاغة" بتحقيق صبحي ص٢٠٣، ٢٠٤ تحت عنوان "ومن كلام له (أي علي) ﵇ وقد استشاره عمر في الشخوص لقتال الفرس بنفسه"
1 / 98