السمبوسة في كتب التراث - النشرة الرابعة

إبراهيم بن عبد الله المديهش ت. غير معلوم

السمبوسة في كتب التراث - النشرة الرابعة

تصانيف

السمبوسة في كتب التراث استجمام معرفي! تأليف النشرة الرابعة: (١/ ٨ /١٤٤١ هـ) مَزِيدَةٌ ومُصحَّحَةٌ النشرة الأولى: مختصرة (٤ صفحات) في مجمع تعليمي (٢/ ٩/ ١٤٢١ هـ). النشرة الثانية: مُطَوَّلةٌ في التليجرام (٢٨/ ٨/ ١٤٣٩ هـ) النشرة الثالثة: مزيدة، ومُصحَّحة، في قناة إبراهيم المديهش العلمية في التليجرام، ونُشرت في المكتبة الشاملة https://t.me/ibrahim_almdehesh (٤/١٠ /١٤٣٩ هـ) النشرة الرابعة: مزيدة، ومُصحَّحة، في قناة إبراهيم المديهش العلمية في التليجرام https://t.me/ibrahim_almdehesh (١/٨ /١٤٤١ هـ)، ونُشرت في المكتبة الشاملة

1 / 1

مقدمة النشرة الرابعة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين أما بعد فإني كتبتُ هذا الموضوع من أحاديث السمَر والإمتاع في مقالٍ موجز قبل عشرين سنة، ثم تنامى مع الأيام - دون قصد ـ، حتى أصبح كتابًا ... وبعد نشرَتِه الثالثة قبل سنتين (١٤٣٩ هـ)، لقي انتشارًا واستحسانًا كثيرًا، ثم حصلتُ على إضافات جيدة، والآن (رجب وشعبان ١٤٤١ هـ)، مع انتشار الوباء العالمي ...

1 / 2

(كورونا المستجد - كوفيد ١٩)، وما صاحبه من احترازات واسعة، كإيقاف الجُمعة، وإيقاف الجماعة في المسجد، وحظر التَّجوال ....؛ ناسبَ إعادة نشره؛ للإمتاع والإفادة، خاصةً ونحن على مقربة من رمضان، فلعلَّ الرجال الملازمين بيوتهم إجبارًا، ولا يملكون فيها مَكتبةً تَشغلهم، أن يقوموا مع أهليهم بتجهيز سمبوسة رمضان [ابتسامة]. في «صحيح البخاري» عن الأسود بن يزيد، قال: سألتُ عائشة ﵂: ما كان النبي ﷺ يصنع في بيته؟ قالت: «كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة؛ خرج إلى الصلاة». بلَّغنا اللهُ رمضان في أمن وإيمان وصحة وعافية، وأعاننا على صيامه وقيامه إيمانًا واحتسابًا، وأزاح الوباء كلَّه والغمة كلَّها عن أمة محمد ﷺ. مدينة الرياض (١/ ٨ /١٤٤١ هـ)

1 / 3

مقدمة النشرة الثالثة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لانبي بعده أما بعد فالتقنية الحديثة جعلتنا نقرأُ ما يُحزِن أكثر مما يُفرح، والنفسُ ضعيفة إن لم تخرُجْ بها - أحيانًا - عن الأحزان، وأخبار أمتنا الموجعة؛ أقعدتْكَ حتى تشرَق بنَفَسِكَ؛ ... ومع أحوال المسلمين المؤلمة تأتي أصواتُ مَرَدَةِ المنافقين والمنافقات ــ في عدد من بلاد المسلمين ــ وَخَزَاتٍ في القلب، تستِجِرُّ دمَعَات حَارَّة، بعد دعواتٍ صادِقَة في السَّحَر، وأوقات الإجابة بأن يُعِزَّ اللهُ الإسلامَ وأهلَه، ويذل المنافقين والكفرة ... أعظم أَلَمٍ أن تقرأ مِن مرَدة منافقي زماننا تهكمًا بدين الإسلام، وشعائره، وأهله المتمسكين به رجالًا ونساءً، ولا يخفى على مؤمن أنَّ اللَّهَ أمرَ في كتابه بمجاهدة الكافرين والمنافقين كليهما، وجهادُ المنافقين بالحُجَّةِ والبَيان. ومع الدعاء بأن يُعِزَّ اللهُ دينَه وأهلَه، يُبَيِّنُ أهل العلم الحقيقة الشرعية، لِيحذر المسلمون ما يلبِّسُه عليهم أهلُ النفاق، ثم يُناصِحوا المسؤول بالطريقة الشرعية، والدينُ النصيحة، وما عليك إلا البلاغ ... ومع ذلك وبعدَه لا بُدَّ للمرء مِن تنَفُّسٍ عَميق؛ لِيخفِّفَ ما يجدُه قلبُه ... - ولا يُلام ـ؛ وإلا آلَمَ نفسَه وجرَّ عليها الأمراض، واللهُ ﷿ يقول لنبيِّه ﷺ: فلا تذهَبْ نَفسُكَ عليهم حسرات: قال تعالى: ﴿(٧) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَأَىهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا﴾ فاطر: (٨) وقال تعالى: ﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ﴾ الشورى: (٤٨)

1 / 4

وسُبحان مَن نوَّع بين عباده: منهم مَن يستجم بالمعرفة قراءةً، ومنهم: بالاسترخاء سياحةً، ومنهم بالصيد، ومنهم بالملاهي المباحة، ومنهم بالملاهي المحرمة، والناس أجناس ... وإنَّ الاستجمام بالمعرفة كتابةً أعظم منها قراءة. وللأُوَل أكتب لي ولهم ما تجمع لديَّ في قصاصات ــ دُوْنَ قَصْدٍ مِنِّي لِلْبَحْثِ فِيْهَا ــ (١):

(١) أصلها: مقالة لطيفة رائعة، بعنوان: «السمبوسة في الأدب العربي» للأستاذ: إبراهيم باجس، نشرها في ... «جريدة الرياض» (عدد ١٠٧٨٤) يوم الجمعة (٤/ ٩/ ١٤١٨ هـ)، وفيها نقلان، الأول: من معجم الفارسية، والثاني: قصيدة إسحاق من «مروج الذهب» للمسعودي. استلطفتُ ورودها عند المسعودي في ذلك الزمن، فحفظت المقالة عندي، ثم زدت عليها يسيرًا، ونشرتها في مجمع تعليمي - مسندًا الفائدة لصاحبها ـ، ثم بدأت أضيفُ إليها ما أقف عليه ــ دون قصد للبحث - من معلومات تراثية عن هذه الأكلة المعَمَّرَة. وهكذا، بعض المؤلفات، والبحوث، والمقالات لا يُقدِّر المرءُ كتابتَها ابتداءً، وإنما تأتي مفاجئةً أحيانًا بعد مرور عدد من فوائدها، فكأن بعضَها تفرض نفسها فرضًا على الكاتب - وهذه المقالة عن ... السمبوسة من هذا الباب ـ. وفي هذه النشرة الرابعة، دعني أحدثك - مادمتُ معك الآن في حديث سمَر ـ: أنني منشرح الصدر لإخراج هذه الأحاديث أكثر من ذي قبل، وإن أصبحَتْ تأليفًا مِن بَعد البحث، القادمِ بعدَ المقال؛ لأنني استعرضت بعد نشرتي الثالثة عددًا من المقالات الصحفية والتقنية التي تتحدث عن هذه الأكلة، فوجدتها كلامًا ليس فيه خيط من خيوط المعرفة الصحيحة الموثَّقة!! وكأن قصد أصحابها لفت النظر إلى الصحيفة فقط ...، نعم، كلها كذب وافتعال ونسبة كاذبة للتراث، ولم يَعزُ مقالٌ مما وقفت عليه إلى مصدر واحد، فتجد المقالات مليئة بالكلمات الصحافية التي يرددها مدعو الثقافة في البلاد العربية، مثل: إن هذه الأكلة ترجع فيما قيل إلى الهند، وقد دخلت العالم العربي بعد الاستعمار البريطاني ... ويحكى في التاريخ أنها جلبت من إندونيسيا بواسطة التجار الحضارم، ثم وصلت الحرمين ... وهي كما في بعض الأساطير تنسب لمدينة اسمها سمبوسة في العراق، وقيل: سُم بوسَة، والأكلة مما تُقدم لامبراطور الصين ... !! هذه الأساليب الدالة على خواء المعلومات من جماعة: (أثبتت الدراسات الغربية وأثبتت المراكز البحثية)!! فإن كانت المعلومة شرقية، ربطوها بامبراطور الصين، أو حاكم الهند، ولابد من الإشارة إلى التجار، أو الحجاج، هذه أساليب الفارغين من بعض الكتاب أصحاب «أثبتت الدراسات» بمثل هذه الأكاذيب من مدعي الثقافة تنتشر كثير من المعلومات بين الناس حتى تصبح من المسلَّمات ... هذا الموضوع أنموذج، لما ينتشر عند الناس، من كلام مرسل لم يوثَّق بمصدر تراثي ... وأنت ترى أن هذه الأكلة مذكورة في كتب: الفقه، والحُسْبة، والتاريخ، واللغة، والأدب، والطبخ ... من كتب تراث المسلمين الأصيل ... فلعل من فوائد كتابة ما كتبتُ أن تكون أنموذجًا لأهمية الرجوع إلى المصادر في أي موضوع كان، وعدم الالتفات إلى خرافات الكتبة المعاصرين الذين يكتبون معلوماتهم من ظنونهم ويعزونها إلى التاريخ دون مصدر ... نعم ما المانع أن يُعزى إلى مصدر أو مصدرين أصليين للمعلومات الواردة في المقال ولو كان المقال في صحيفة، مادم أن الموضوع تراثيٌّ ... وتزداد الأهمية في زماننا هذا؛ لأن أبناءنا وبناتنا بل ورجالنا ونساءنا إذا أرادوا الحديث أو الكتابة عن موضوع ما، كالشاي، أو القهوة مثلًا، ضغطوا كلمة واحدة في (قوقل) ولن يجدوا في الغالب إلا كلام عَوامٍّ قُحِّ، مدون في صحيفة ورقية أو تقنية أو منتديات، وقد تُنوقِل كثيرًا، كلٌّ ينقل من الآخر، حتى يظن القارئ أنَّ هذا أمرٌ متَّفقٌ عليه متواتر بين الناس، وأنها الحقيقة التي لا يمكن تجاوزها!! مع أنه لم يَعزُ أحدٌ منهم إلى كتاب علمي فضلًا عن عدة مصادر بالمجلد والصفحة!! ألا فلنُعلِّم أولادَنا أنَّ ما تجدونه في «قوقل» مكتوبًا ومنطوقًا لا يُعتمد عليه مالم تقف عليه في عدة مصادر أصلية، وإلا زادت الخرافات والأكاذيب، ثم نتَّهم تاريخنا القديم والجديد لأنه روَّج هذه الأكاذيب!! وتزداد الأهمية درجات بعد درجات إذا علمنا أن أولادنا - يا للأسف الشديد - مفتونون بالكتب الغربية المترجمة، لا يلتفتون إلى كتب التراث الغنية المميزة في كل الفنون - والسمبوسة التي بين يديك خير مثال ـ، ساعدهم في هذا البُعد أناس يُرى أنهم مثقفون قدوة، يتبعون ما يريد منهم الشباب، ويرون أن الثقافة الجديدة الأجنبية هي التي تلفت الأنظار، وتُلبس متحدثها التحضر والحداثة الثقافية ... وأحيلك إلى ما كتبته في مقدمة كتابي «منهج الدميري في كتابه حياة الحيوان»، أزعم أن فيه عبرةً ونذارة. وما دمتُ معك في مجلس سمَر، فَلِمَ تعاتبني على هذا الاستطراد - وليس باستطراد في الحقيقة - بل هو بيان أهمية الكتابة التراثية في غالب شؤوننا، مع إتباعها بالكتب المعاصرة؛ لنفخر به، ونرفع به رؤوسنا. معارفنا العامة، وثقافتنا إذا وُثِّقت من المصادر العربية وحُرِّرت، كان هذا علامة على التوثيق والتحرير في شؤوننا كلها: في ديننا، ودنيانا، وعلى عنايتنا بالضبط والإتقان ... والله المستعان.

1 / 5

إنَّ أحاديثَ السَّمَر والمذاكرة - وهذه منها - تتسم بالتخفف من قيود التقييد، وشروط التحديث (١) فيها إطلاق للقلم على سجيته بعد مراعاة المحاذير الشرعية؛ لترويح النفس (٢) وإن لم يكن ثمة جدٌّ في العلم، كانتشار الاستراحات في وقتنا وإن لم يكن ثمة تعب في البدن= مثل حال السابقين الكادحين. مع أنَّ أحاديثَ السَّمَر أهم من الاستراحات، لأنها تغذية للمعرفة في الغالب، وفي الاستراحات تخمة في البدن غالبه. وأمر آخر: عند السابقين تعب في البدن وراحة في النفس، وعند اللاحقين راحة في البدن وتعب في النفس؛ فأدب السمر لتخفيف شئ يسير - لمن أحب القراءة ـ، وترويح عن الهم الجاثم على قلوب المسلمين الغيورين، من ضعف وهوان الأمة الإسلامية، وشيوع التمرد على أحكام الدين، والاستهزاء بشعائره وعلمائه وولاة

(١) بالمناسبة: هل توجد دراسة جامعية في «السُّنَّة وعلومها» عن أحاديث المذاكرة؟ ثم وجدت كتابًا بعنوان «فن المذاكرة عند المحدِّثين - معالمه وأعلامه ـ» د. محمد بن إبراهيم العشماوي المصري، ط. جائزة دبي الدولية للقرآن ١٤٣٤ هـ، مجلد لطيف (١٥١ صفحة)، وانظر فيه (ص ١٢٩ - ١٣٤). (٢) انظر: «الكامل» للمبرِّد (٢/ ٨٤٩)، وغيره كثير ممن تحدث عن ترويح النفوس، فإنها تمَلُّ كما تمَلُّ الأبدان.

1 / 7

أمره، وعامة المستقيمين والمستقيمات على شرعه، من لدن المنافقين في العالم الإسلامي ... - قاتلهم اللهُ أنى يؤفكون ـ. هذا، وقد أخذَتْ المحاضراتُ والمسامرات حيِّزًا لابأس به في كتب التراث، وللعلم: فالتراث العربي والشرعي لايحيط به فرد أو مجموعة، لكثرته وتعدده، مع ما جُهِل عنوانه، أو عُلِمَ ولم يعرف مكانه. (١) هذه الكتب في مجال المسامرة والمحاضرة، والإمتاع والمؤانسة فيها خروج من الجِدِّ إلى أبواب من الهزل المباح، تلقيحًا للفكر، وترويحًا للنفس، فأَلقِ نظرة عابرة في ... «عيون الأخبار» لابن قتيبة، و«الكامل» للمبرد، و«الإمتاع والمؤانسة» و«البصائر» للتوحيدي، و«ألف باء للألباء» للبلوي، «بهجة المجالس وأنس المجالس» لابن عبدالبر، و«محاضرات الأدباء» للراغب، و«ربيع الأبرار» للزمخشري، و«العِقْد» لابن عبدربه، و«زهر الآداب»، و«مسامرة الندمان»، و«نشوار المحاضرة» للتنوخي، و«كنز الكتاب»، و«الجليس الصالح» للجريري، و«لمح الملح»، وعَددٍ من كتب أبي منصور الثعالبي (ت ٤٢٩ هـ)، وغيرها كثير، ستجد المتعة والمُلَح، والفائدة في اللغة والأدب. قال الخطيب البغدادي (ت ٤٦٣ هـ) ﵀: (ولم تزَلْ أفَاضِلُ النَّاسِ وأكابِرُهُمْ تُعجِبُهُمْ المُلَحُ، ويُؤُثِرُونَ سَمَاعَهَا، ويَهُشُّونَ إلى المذَاكَرَةِ بِهَا؛

(١) في مقدمة كتابي «منهج الدميري في كتابه حياة الحيوان» استطراد في بيان أهمية كتب التراث الإسلامي، وغَنَائِه بكل ما يمتع ويفيد؛ وإنكار تغريب الثقافة.

1 / 8

لِأنَّهَا جِمامُ النَّفْسِ ومُسْتَراحُ القَلْبِ، وَإليْهَا تُصْغِي الأَسْمَاعُ عِنْدَ المحُادَثَةِ، وبِهَا يَكُوْنُ الاستِمْتَاعُ في المؤانَسَةِ). (١) قال الأصمعيُّ (ت ٢١٦ هـ) ﵀: (النوادر تشحذ الأذهان، وتفتح الآذان). (٢) أما بعد فقد غلَّبَ الناصحون في حديثهم قبل رمضان، الحديثَ عن النَّهَمُ في المشتريات والإسراف في المأكولات ... إلخ الكلام المعروف. أما الآن فقد خفى هذا الصوت - بعض الشئ، ولا لَوْم ـ؛ لِوجود ما هو أعظم وأطمُّ، أقصد به تلك الاستعدادات الهائلة في القنوات الفضائية من شهر محرَّم - قبل رمضان بِـ ٨ أشهر - إلى إعداد مسلسلات فيها محرَّمات، وفيها إساءة للدين، واستهزاء بما جاء به سيد المرسلين ﷺ، وتشويه للتاريخ الإسلامي، وخلفاء المسلمين، فخزي - والله - صدور هذه المهازل في بلاد المسلمين كلها؛ استخفافًا بمكانة هذا الشهر الفضيل المبارك، شهر القرآن، والنوافل، والصدقات، والبرِّ، والجود، والإحسان!! هذا الاستعداد لرمضان منذ ثمانية أشهر، لأجل ماذا؟ أَلأَجْلِ أن الصيام ثقيل، ورمضان حزين، أم لتقريب العباد لرب العالمين؟!

(١) «التطفيل» للخطيب - تحقيق عٌسيلان - (ص ٥٩). (٢) «التطفيل» للخطيب (ص ٦٠).

1 / 9

أم للفوز بجنة اللهِ التي أعدت للمتقين؟ لن أنسَ إعلانًا = دعايةً خبيثة في (رمضان ١٤٢٠ هـ أو ١٤٢١ هـ) عنوانها [خير جليس في رمضان mbc] سبحان الله، في كل بلد مسلم يَعُدُّ أهل اللهو مسلسلات لإلهاء الناس عن رمضان، وإبعادهم عن التقوى فيه، فضلًا عن تضمنها مخالفات شرعية. ذلك الشهر الفضيل الذي تُصفَّد فيه مَرَدَةُ الشياطين، يبقى من إخوانهم من مرَدَةِ شياطين الإنس على وفاء لهم وبِرِّ ــ واللهُ حسيبهم أجمعين ـ بالله عليك - ياعبدَالله - أين موقع هذه المسلسلات ومثيلاتها من قول الله ... «لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» في قوله: ... ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ البقرة: (١٨٣) حريٌّ بالعاقل أن يحفظ صيامَه وصيامَ أهله وأولاده، ويُرشدَهم إلى تعظيم ورعاية الشهر الفضيل المبارك، ولا يخوضوا فيه مع الخائضين: كلامًا، أو مشاهدة، أو حضورًا ... اللهم استعملنا فيما يرضيك. واحفظ اللهم ديننا وأمننا ووحدتنا وولاة أمرنا وعلماءنا وجنودنا، وكلَّ مَن يخدم دينَه، وبلاده في الخير. اللهم انصر واحفظ جنودنا المرابطين على الحدود، وأعز المسلمين في كل مكان وانصرهم على مَن بغى عليهم.

1 / 10

اللهم أعنَّا على صيام رمضان وقيامه، وقيام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، واجعلنا فيه من المقبولين. * * * *

1 / 11

هذه الأكلة الرمضانية العجيبة «الفارسية» هي الوحيدة المعمَّرة: باسمها، ووصفها، ومضمونها، لا أعرف لها مثيلا، عُمرها المسجَّل في الوثائق: أكثر من (١٢٠٠) سنة!! ذكَرَهَا: الفقهاء: الحنابلة، والشافعية، والحنفية، وذكرها بعضُ أهل الحديث، ورجال الحسبة، والأدباء، والشعراء، والرحَّالة، ومُؤلِّفو كتب الطبخ ... وقد شُبِّهت لجمالها وجودتها وتنوع مضمونها بكتاب كبير جميل - مفقود ـ: «الجامع الكبير للإمام سفيان الثوري في الحديث والأثر والفقه»! «جامع سفيان». تلك الأكلة المثلَّثة، المحشوة باللحم والخضروات، سهلة التناول، لذيذة المطعم، مجلبة للتخمة وثقل المعدة، المكثر منها يثقل عن قيام الليل، لكنها - والحقُّ يُقال - من فرائض العادات، بل من آكدها، ولا يمكنُ الاعتياض عنها بأي طعام آخر، حتى ولَو كان ... إذا رآها الطفل الصغير في غير رمضان، سأل: هل جاء رمضان؟ اسم السمبوسة «السنبوسة»، «السمبوسة»، «السنبوسك» (١)، «السنبوسق»، «السنبوسي»، ... «السنبوسج»، «سنبوسجة»، «السموسك» (٢)

(١) هذا الاسم أكثر ما ورد في كتب التراث. (٢) هذا الاسم لم أره إلا في «رحلة ابن بطوطة» عن تسمية الهنود له. ولعله محرفة في نطقهم عن «سنبوسك». وذكرها العلامة أحمد تيمور باشا عن ابن بطوطة، وقال: لعله هو - أي سنبوسك - وحُرِّف في النسخة. ... «معجم تيمور الكبير» (٤/ ١٣٨).

1 / 12

المختار: قُلْ ما شئت، ولا حرج؛ لأنها ليست عربية، واللفظُ الأعجمي إذا نُقِل إلى اللغة العربية، يُلعَب به كيفما اتَّفقَ على لسان عربي مبين، كما قالوا: «أعجميٌّ فالعَبْ بِه» (١) وإني أرى أنَّ أقرب لفظة سلسة يسيرة على لسان العربي «سمبوسة»، خاصة أن اسمها بالفارسية كما ذكر التازي في تعليقه على «رحلة ابن بطوطة» - سيأتي - ... (Sanbusa) - والأمر واسع جدًا ـ. قال الصقلي (ت ٥٠١ هـ) ﵀: (ويقولون: سنبوسك. والصواب: سبنوسج، وسنبوسق أيضًا). (٢) قال الصفدي (ت ٧٦٤ هـ) ﵀: (قلت: وهذه الجيم والقاف يتعاقبان على هذا الباب فتقول: لوزِينج ولَوزينق، وفالوذَق وفالوذج، وجَوزينج وجوزينق). (٣) وذكر العلامة: أحمد تيمور باشا (ت ١٣٤٨ هـ) ﵀: (عن «البرهان القاطع» أن الكاف الأخيرة للتصغير، وفيه: تعاقب الجيم والقاف في المعرَّبات). (٤)

(١) لي مقال بعنوان «أعجمي فالعَبْ به» نُشر في جريدة الجزيرة، السبت (٥/ ٣/ ١٤٣٦ هـ) (ص ١٩ من المجلة الثقافية)، وهو منشور في قناتي في التليجرام. (٢) «تثقيف اللسان» للصقلي (ص ٥٤). (٣) «تصحيح التصحيف» للصفدي (ص ٣١٩)، وأحال محققه د. رمضان عبد التواب في مسألة التعاقب في المعربات من الفارسية، وغيرها إلى: «الكتاب» لسيبويه (٤/ ٣٠٥)، و«المزهر» للسيوطي (١/ ٢٧٤). (٤) «معجم تيمور الكبير» لأحمد تيمور باشا (٤/ ١٣٨).

1 / 13

قال ابن هشام اللَّخْمِي (ت ٥٧٧ هـ) ﵀: (السنبوسق: وفيه لغتان: سنبوسج، وسنبوسق، بفتح السين فيهما. فأما قولُ عامَّة زماننا: سنبوسك، بالكاف، فلَحْنٌ). (١) وليس قوله بصواب، فالأكثر قبل زمانه وبعده ذكروها بلفظ «سنبوسك»، وليس في المسألة لحن، لأن الأمر في المعربات يسير. والراجح ما ذكرته لك أولًا «سمبوسه» تخفيفًا وتيسيرًا. * * * * تعريف السمبوسة، وطريقة عملها قال أبو الحسن علي بن إبراهيم البلنسي القشتيلي (ت ٥٧١ هـ) ﵀ ... (السنبوسك: لحم مدقوق بالأبازير الرقاق). (٢)

(١) «المدخل إلى تقويم اللسان» للَّخْمِي - تحقيق د. حاتم الضامن - (ص ٢٠٤). (٢) «القرط على الكامل» لأبي الحسن القشتيلي (ص ٥٣٨). فائدة: القشتيلي جمع ما كتبه الوقشيُّ، وابنُ السيد البطليوسي، من الطرر على الكامل للمبرد، مع زيادات مَن قبله عليهما، وسماه «القرط على الكامل»، صرَّح بذلك في مقدمته، ومع ذلك أخطأ محقق الكتاب فجعل مؤلفه: الوقشي والبطليوسي!! وقد أحسنت المكتبة الشاملة التقنية في تعديل هذا الخطأ حين إدخاله في المكتبة.

1 / 14

قال داوود الأنطاكي (ت ١٠٠٨ هـ) ﵀ (١): («سنبوسك»: باليونانية ... «بزماورد» وهو: عجين يُحكَم عجنُه بالأدهان كالشيرج والسَّمِن، ثم يُرَق ويُحشى لحمًا قد نُعِم قطعه، وفوه وبزر ممزوجًا بالبصل والشيرج، ويُطوَي عليه، ويُقلَى في الدهن أو يخبز. وأجودُهُ: ما حُمِّض بنحو الليمون، وكان لحمُه صغيرًا، أو عُمِل من الدجاج. وهو حارٌّ، رطبٌ في الثانية. والمخبوز يابس في الأولى. يُغذِّي جيِّدًا، ويُسَمِّنُ، ويُربي الشحَم، ويُقَوِّي الأعصاب، ويُهيِّجُ الشهوة. والمخبوز للمرطوبين أجودُ من المقلي، والمَقْلِيٌّ لأَصحَابِ السوداء والهُزَالِ أجوَدُ. وهو ثَقِيْلٌ عَسِرُ الهَضْمِ، يُولِّدُ السَّدَدَ والرِّياحَ الغَلِيظَةَ، وإذا تجاوز بعد خبزه أكثر من يومين في الصيف، فلا يجوز تعاطيه. ويُصلِحُه السكنجبين). (٢)

(١) داود بن عمر الأنطاكي: عالم بالطب والأدب. كان ضريرًا، انتهت إليه رئاسة الأطباء في زمانه. انظر ترجمته في: «خلاصة الأثر» للمحبي (٢/ ١٤٠)، «الأعلام» للزركلي (٢/ ٣٣٣). (٢) «تذكرة داوود الأنطاكي» (١/ ١٨٦)، المسماة بِـ «تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب» ... - ط. محمد صبيح - عن النسخة الأميرية المطبوعة عام (١٢٨٢ هـ).

1 / 15

قال المحبِّي (ت ١١١١ هـ) ﵀: (السمبوسق: معروف، مُعرب، «سمبوسة» ....). ثم نقل كلام داوود الأنطاكي بحذف يسير - دون أن ينسبه إليه ـ. (١) قال رينهارت بيتر آن دُوزِي (ت ١٣٠٠ هـ): [[سَنْبوْسَج: ابن جزلة واحدتها سنبوسجة، ففي الأغاني (ص ٦١): سنبوسجة مغموسة في الخل. سَنْبوُسق: فطائر (همبرت ص ٧٥) واحدتها سنبوسقة. وفي محيط المحيط: سَنْبوسك (الكامل ص ٤١٩، الجريدة الآسيوية ١٨٦٠، ٢: ٣٨٤ واحدتها سنبة سكة. العمراني ص ٨٨) واسمها المألوف فيما يقول صاحب محيط المحيط: سنبوسة وسنبوسك بلحم: فطائر مثلثة (محيط المحيط) تحشى بقطع اللحم والجوز ونحوه (محيط المحيط) وتغطى بعجينة (بوشر). وسنبوسك: فطيرة صغيرة (بوشر). سنبوسكة: حلوى منفظّة (مونج ص ٣٦٨، روميو ف ج ص ٤٢). سَنّبوُسَقِي: حلواني (همبرت ص ٧٥)]]. (٢) ولم يزد فائيل نخلة اليسوعي النصراني على قوله: (سنبوسك: نوع طعام). (٣)

(١) «قصد السبيل فيما في اللغة العربية من الدخيل» للمحبي - تحقيق: عثمان الصيني - (٢/ ١٥٨). (٢) «تكملة المعاجم العربية» لدوزي (٦/ ١٥٩ - ١٦٠). (٣) «غرائب اللغة العربية» (ص ٢٣٥).

1 / 16

قال أدِّي شِير الكلداني الآثوري العراقي النصراني (ت ١٣٣٣ هـ): (السنبوسق: فطائر مثلَّثة، تُعمَل من رِقَاقِ العجين المعجون بالسَّمِنْ، وتُحْشَى بِقِطَعِ اللحم والجوز. مُعَرَّبُ سنبوسه، والسبنوسك لغةٌ فيه). (١) وقال د. محمد التوبخي: من معاني السنبوسه: فطائر محشوة باللحم، معرب سنبوسك، قطائف. (٢) وقال د. فَ عبدالرحيم: (سمبوسة: بالفتح، فطيِيرٌ مُثلَّثُ الشكل، يُحشى لحمًا مفرومًا مع البَصَل. فارسي «سنبوسه»، وأصل معناه: مثلَّث الشكل، ومِنْ ثمَّ يُطلَق كذلك على قطعة قماش مثلَّثةٍ، تُغَطِّي بها المرأة رأسها. ومن هذه الكلمة نفسها «سموسه» بالأردية بمعنى الفطير المثلَّث). (٣) ذكر الشيخ: محمد بن ناصر العبودي - حفظه الله ــ: أن السَّمْبُوسة: رقائق من دقيق القمح، تُحشى باللحم المفروم والخضروات، وتصنع على هيئة مثلثات، وتُقلى في السمن أو الزيت. ولم يكونوا يعرفونها قبل التطور الأخير، بل لو ذَكر أحدُهم اسمها أو وصفها؛ لضحك الناس منه، ولكنها الآن اشتهرت مع ما اشتهر من المأكولات الحديثة.

(١) «معجم الألفاظ الفارسية المعربة» (ص ٩٥). (٢) «المعجم الذهبي - فارسي عربي» (٣٥١). (٣) «معجم الدَّخِيل في اللغة العربية الحديثة ولهجاتها» (ص ١٢٣ - ١٢٤).

1 / 17

ثم ذكر قول الخفاجي ... ثم قال: الظاهر أنَّ الخفاجي أخذ قول كشاجم، وفرَّع عليه (١)، قال كشاجم - من أهل القرن الرابع ـ وسنبوسجة مقلُوْ ... * ... وَةٍ في إثْرِ طَرْذينَه وحمراءَ مِن البَيض ... * ... إلى جَانِبِ زَيتُونه. (٢) دلَّ كلام الشيخ العبودي أن «السمبوسة» لم تدخل السعودية، خاصة «نجد» إلا في وقت قريب، ربما في الثلث الأخير من القرن الماضي (ق ١٥ هـ). فهي لم تُعرف عند العامة، أما أهل العلم فيعرفون اسمها؛ لأنها موجودة في كتاب ... «كشاف القناع»، وهو من الكتب الشهيرة في الفقه الحنبلي المعتمدة عند القضاة، وكذا موجودة في «الروض المربع» وهو من أكثر الكتب الفقهية مدارسة، وقبلهما في ... «المغني» - وسيأتي النقل منها ـ. (٣)

(١) الأبيات التي ذكرها الخفاجي، مذكورة باختلاف الترتيب في «ديوان كشاجم» - كما سبق ـ. (٢) أحال العبودي إلى «ديوان كشاجم» (ص ٤٠١). انظر: «معجم الكلمات الدَّخِيلة في لغتنا الدارجة» للعبودي (١/ ٣٧٤)، و«معجم الأصول الفصيحة للألفاظ الدارجة» للعبودي (٦/ ٤١٤)، و«معجم ألفاظ الحضارة في المأثورات الشعبية» (ص ١٧٦)، و«معجم الطعام والشراب في المأثور الشعبي» (٢/ ٤٨)، أربعتها للشيخ: محمد العبودي - حفظه الله ورعاه ـ. (٣) وجدتُ المستشرق الفرنسي: تشارلز هوبر ذكر في كتابه «رحلة في الجزيرة العربية الوسطى ١٨٧٨ - ١٨٨٢» ــ فيما نقله عنه د. عوض البادي في كتابه «الرحالة الأوربيون في شمال ووسط الجزيرة العربية - منطقة حائل ـ» ــ ط. نادي حائل الأدبي الثقافي - (٢/ ٥٣٧، ٥٧١) أنَّ هوبر ذكر في يومياته في أحداث يوم (٢٩/ديسمبر ١٢/ ١٨٨٣ م) = (٢٨/ ٢/ ١٣٠١ هـ) أنه دعا بعض الضيوف الوجهاء الذين قدموا حائل، وهم: أمير بريدة: حسن بن مهنا، وراكان بن حثلين - شيخ العجمان - ومعهما مرافقون، دعاهم هوبر للعَشَاء بعد صلاة العِشاء، ووجَّه خادمَه: محمود، ليقدِّم أفضل ما عنده من مهارة، وقد أعدَّ وليمةً رائعة لهؤلاء الضيوف، فقدَّم لهم: الشاي أولًا، ثم عصير الليمون، ثم معجنات مع السكر واللوز أو التمر، وتُسمَّى «سمبوسك»، ثم حلويات تُسمَّى «عوامة»، ثم شرائح ليمون مُغَطَّاة بالسكر، وأخيرًا القهوة. وأضفتُ إليها ماء الزهر والزباد، غادر ضيوفي أخيرًا مسرورين في الساعة العاشرة والنصف. هكذا في كتاب البادي، ولم أرجع لكتاب هوبر، والظاهر أنه وهم - ربما من هوبر أو المعرِّب ـ، لأن الوصف المذكور لا ينطبق على «السمبوسة»، بل هو أقرب إلى «البسبوسة»، وربما تصحفت عليه، ولو كانت سمبوسة ــ وهي مثلثة - للفتَ انتباهَ المؤلِّف شكلُها، ووَصَفَهَا، وذكرَ أنها محشية باللحم والخضرات.

1 / 18

هذا، وعرَّفها بعضهم: (سَنْبُوسَك/ سَنْبُوسِك: طعامٌ مصنوعٌ من الرُّقاق المعجون بالسَّمْن والمحشوِّ باللحم المفروم وفتيت الجوز). (١) وذكر د. رجب عبدالجواد إبراهيم أنها معرّبة من الفارسية (٢) أطعمة العرب ذكر ابنُ قُتيبة (ت ٢٧٦ هـ) ﵀ في رده على الشعوبية الطاعنين في العرب أنهم يعيرون العرب بخبث المطعم كالعلهز، والحيات، وخبيث المشرب كالفظِّ والمجدوح

(١) «معجم اللغة العربية المعاصرة» لأحمد مختار، وجماعة (٢/ ١١١٦) رقم (٢٦٢١). (٢) في كتابيه: «ألفاظ الحضارة في القرن الرابع الهجري - دراسة في ضوء مروج الذهب للمسعودي ـ» ... (ص ٣٢٢ وص ٣٦٣)، و«ألفاظ المأكل والمشرب في العربية الأندلسية - دراسة في نفح الطيب للمقري» (ص ٤٠ و١١٥).

1 / 19

قال: فإن هذا وأشباهه طعام المجاوع والضرورات، وطعام نازلة القفر والفلوات .... وإنما يكون هذا عيبًا لو كانت العرب مختارة له في حالة اليُسْر، كما تختار بعض العجم الذباب ــ وبِهِمْ عنهُ غِنَى ــ، والسراطين ــ والدجاجُ لهم مُعرضَة ــ، فأما حال الضرورة فالناس كلهم يُعسرون؛ فَمَن لم يجد اللحم أكل اليربوع والضب، ومن لم يجد الماء شرِبَ المجدوح والفَظَّ ... ثم ذكر ابن قتيبة: أن أهل الثروة من العرب على خلاف ماعليه الصعاليك والعُثرُ ... وردَّ على من عابهم بتَركِ طيِّب الأطعمة والأطبخة وحُسْن الأدب عند الأكل قال: فهذا لعمري هو الأغلب على مَن الأغلبُ عليه الفقر، فأما ذوو النعمة واليسار والأقدار فقد كانوا يعرفون أطايب الطعام، ويأكلونها، ويأخذون بأحسن الأدب عليها ... ثم ذكر أمثلة عليها: المضيرة والوشيقة والهريسة والعصيدة ... (١) في «عيون الأخبار» لابن قتيبة (ت ٢٧٦ هـ) ﵀ فصول ماتعة عن الأطعمة عند العرب (٣/ ١٩٧ - ٢٩٩) - ط. الكتب المصرية ـ، وفي غيرها من كتب الأدب المرتبة على الموضوعات. (٢) ولمحمود شكري الآلوسي (ت ١٣٤٢ هـ) ﵀ كلام جميل عن مطاعم العرب، ومن كلامه: (وكان لهم شغل شاغل عن الاعتناء بأمر المأكل؛ لاضطراهم إلى النقْلَة في الغالب، لرعي مواشيهم، وتشاغلهم بالحروب وغزو بعضهم بعضًا.

(١) «فضل العرب والتنبيه على علومها» لابن قتيبة الدينوري - تحقيق د. وليد خالص - (ص ٧٣ - ٨٣). (٢) وانظر أسماءها وبعض أوصافها في: «المخصص» لابن سيده (ت ٤٥٨ هـ) (٤/ ١١٨ إلى ٥/ ٥٨).

1 / 20

وأما ما كان يتعاطاه غيرُهم من التأنق في الأطعمة المتنوعة، والألوان الشهية، فلم تكن العرب تعرفها، ولا كانت تمر على أذهانهم) (١) دخول الأطعمة الفارسية والرومية البلاد العربية قال الأصمعيُّ (ت ٢١٦ هـ) ﵀: اختصم روميٌّ وفارسيٌّ في الطعام، فحَكَّما بينهما شيخًا قد أكلَ طعام الخُلفاء، فقال: أمَّا الرُّومِيُّ فذهب بالحشو والأحشاء، وأما الفارسيُّ فذهب بالبارد والحَلْواء. (٢) قال العلامة: كُرد علي (ت ١٣٨٢ هـ) ﵀: (الأطعمة في الأمم تابعة لحضارتها، تكون بسيطة في الأمة البدوية ومركبة منوعة في الأمة الحضرية كما هي إلى السذاجة في الريف والتنوع في المدن. وذكَر أن أطعمة العرب: «سكان جزيرة العرب من تهامة والحجاز ونجد والعروض واليمن»، في جاهليتها على النزر القليل الذي انتهى إلينا من أخبارها قبل الإسلام، كانت إلى السذاجة والفطرة خصوصًا في البلاد التي هي إلى الإجداب أقرب منها إلى الإخصاب؛ لقلة أمطارها وعصيان تربتها على الاستنبات. إلى أن قال:

(١) «بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب» (١/ ٣٧٠ و٣٨٠). (٢) «عيون الأخبار» لابن قتيبة (ت ٢٧٦ هـ) (٣/ ٢٠٤).

1 / 21