النظم البلاغي بين النظرية والتطبيق
الناشر
دار الطباعة المحمدية القاهرة
رقم الإصدار
الأولى ١٤٠٣ هـ
سنة النشر
١٩٨٣ م
مكان النشر
مصر
تصانيف
ولسنا بحاجة إلى إقامة دليل على أن العرب كانوا يعرفون الفن البياني الذي عرفه المتأخرون بأنه علم يعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه، قائلين إن قول زهير:
ما أرانا نقول إلا معارًا ... أو معادًا من قولنا مكرورًا
دليل على أن العرب في الجاهلية قد عرفوا الفن البياني، وأن قول زهير يتفق وتعريف المتأخرين لعلم البيان، لأنه لا يتجاوز إعادة المعنى المعروف بألفاظ مختلفة!
ذلك لأن العرب قد عرفوا الفن البياني مرانًا وممارسة بعد أن عرفوه ملكة وذوقًا، لأن ملكة البيان عندهم إنما جاءت بالممارسة، فلما رسخت هذه الملكة فيهم واستقرت سميت ذوقًا (١) - كما يقول ابن خلدون.
(٢)
وانبثق فجر الإسلام، وطلعت شمس النبوة، وأشرقت الأرض بنور ربها، وتوالى نزول آيات القرآن، بلسان عربي مبين على قلب محمد ﷺ فيتلوها على أصحابه، ويتلوها أصحابه على أسماع المسلمين فيحفظونها وتتردد على أسماعهم آناء الليل، وأطراف النهار.
وانبهر العرب ببلاغة القرآن الكريم، وعجزوا عن مجاراتها، وسلموا بعجزهم عن أن يجيئوا بمثل أقصر سورة من سور القرآن، وصار المعاندون ممن كفروا به وأنكروه، يقولون مرة: إنه شعر، ومرة أخرى: إنه سحر! وقد كانوا يجدون له وقعًا في القلوب، وقرعًا في النفوس، يريبهم ويحيرهم. فلم يتمالكوا أن يعترفوا به نوعًا من الاعتراف، ولهذا قال قائلهم: إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة (٢).
_________
(١) نفس المصدر.
(٢) ثلاث رسائل في إعجاز القرآن ص ٢٨.
1 / 23