النظم البلاغي بين النظرية والتطبيق
الناشر
دار الطباعة المحمدية القاهرة
رقم الإصدار
الأولى ١٤٠٣ هـ
سنة النشر
١٩٨٣ م
مكان النشر
مصر
تصانيف
بالنقد، وعلمًا بما تقتضيه أحوال الكلام، من القصد في القول أحيانًا، والمبالغة فيه أحيانًا أخرى، وكان لهم مع ذلك خبرة بما يحسن أن يستعمل من الكلام في مواطن كالفخر دون غيره، وبما يجمل بالمتكلم أن يهجره ولا يعمد إليه (١).
على أن الجاهليين في نقدهم لم يكتفوا بالنظر إلى صحة الوزن وانسجامه، وإلى المعنى وصوابه فحسب، وإنما تعدت نظرتهم إلى القصيدة بتمامها، كما يتضح لك هذا من اختيارهم للمعلقات، وإلى نتاج الشاعر جميعه، كما يتضح لك من نبذهم عدى بن ربيعة بالمهلهل لما رأوا في شعره من اختلاف واضطراب (٢)، وكما يتضح لك من تلقييهم شعراءهم بألقاب تدل على مدى إحسانهم في رأيهم، كالمرقش، والمثقب، والمنخل، والمتنخل، والأفوة، والنابغة (٣).
ومن هذه الروايات وأمثالها مما لم يتسع المجال لذكره، نجد أن العرب في جاهليتهم كان لهم بصر بنقد الأساليب، ومعرفة بما يجدر أن يكون عليه الكلام من مطابقة لمقتضى الحال، وملاءمة الألفاظ والمعاني، وعناية بتصوير المعاني صورًا رائعة أخاذة، واهتمام بما يجب أن يبدو فيه الأسلوب من خلال الجمال اللفظي والمعنوي.
على أننا نقرأ في تاريخ الأدب العربي أن زهيرًا صاحب الحوليات، وهي القصائد التي كانت ينظمها وبعيد النظر فيها حولًا كاملًا حتى يستقيم بناؤها، ويصح نظمها، ويصبح خاليًا من التعقيد، بعيدًا من كل ما قد يكون مظنة القدح أو النقد.
_________
(١) تهذيب السعد ج ١ ص ٦.
(٢) محاضرات في تاريخ البلاغة العربية للدكتور/ محمد عبد الرحمن الكودي ص ٩.
(٣) البلاغة تطور وتاريخ د/ شوقي صيف ص ١٠.
1 / 21