النظم البلاغي بين النظرية والتطبيق
الناشر
دار الطباعة المحمدية القاهرة
رقم الإصدار
الأولى ١٤٠٣ هـ
سنة النشر
١٩٨٣ م
مكان النشر
مصر
تصانيف
فلما كان يوم اللقاء، ورأى النساء قد خرجن من بيوتهن، وجرين هنا وهنالك وكشفت اللبس عن وجهها، كأنها البدر؛ وبدا ما كانت تخفيه من محاسن، ثارت حميته، وجرى الدم في عروقه، وألقى بنفسه في غمار المعركة منقضًا على رئيسهم فنازله وهزمه.
وقد كان الأعداء ينذرون دمه، ولكنه كان ينذر بأنه إذا لقيهم ليقاتلهم قتالًا شديدًا وليس ذلك بجديد عليه، فكم قاتل الأعداء، وكم بقى وحده في ميدان القتال يكفن أصحابه ويدفنهم بيديه جلدًا صبورًا، فما جزع وما أصابه الهلع، لأنه يغني غناء الذاهبين من قومه، فهو المؤمل للأعداء يوم اللقاء، فقد ذهب أحبابه في ميادين الحرب والدفاع عن الشرف والعرض، وبقى وحده كالسيف فردًا.
ثم انظر كيف أتى بالجملة المنفية في أول القصيدة غير مؤكدة وهي قوله:
(ليس الجمال بمئزر).
ولكنه أكد الجملة التي تليها، وهي قوله: (إن الجمال معادن، ومناقب أورثن مجدًا).
لأن الجملة الأولى خبرية ألقيت إلى خالي الذهن فلم، يحتج إلى تأكيد، ولكن الجملة الثانية جاءت جوابًا عن سؤال تضمنته الجملة الأولى، فكأن سائلًا سأل: فماذا يكون الجمال؟
وكذلك تجد الجمل الخبرية التي أوردها خالية من التأكيد، لإلقائها إلى خالي الذهن (أعددت للأعداء ..) و(علمت أني يوم ذاك منازل ..) و(هم ينذرون دمي).
ثم انظر كيف عرف كلا من (كعبًا) و(نهدًا) بالعلمية، ليبين أنه نازل قبيلتين معروفتين وكيف نكر كلا من (أحدا) و(زندا)، ليبين أنه لشجاعة قلبه وقوة جلده يكفن صديق النزال في الحرب بيديه ويدفنه
1 / 108