إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان - ط عطاءات العلم

ابن القيم الجوزية ت. 751 هجري
98

إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان - ط عطاءات العلم

محقق

محمد عزير شمس

الناشر

دار عطاءات العلم (الرياض)

رقم الإصدار

الثالثة

سنة النشر

١٤٤٠ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)

مكان النشر

دار ابن حزم (بيروت)

تصانيف

وهذا أيضًا عدولٌ عن المراد بتعذيبهم في الدنيا بها، وذهاب عن مقصود الآية. وقالت طائفة: تعذيبهم بها أنهم يُعرَّضون (^١) بكفرهم لغنيمة أموالهم، وسَبْي أولادهم؛ فإن هذا حكم الكافر، وهم في الباطن كذلك. وهذا أيضًا من جنس ما قبله؛ فإن الله سبحانه أقرَّ المنافقين، وعصم أموالهم وأولادهم بالإسلام الظاهر، وتولّى سرائرهم، فلو كان المراد ما ذكره هؤلاء لوقع مراده سبحانه من غنيمة أموالهم وسبي أولادهم، فإن الإرادة هاهنا كونِيّة بمعنى المشيئة، وما شاء الله كان ولا بد، وما لم يشأ لم يكن. فالصواب والله أعلم أن يقال: تعذيبهم بها هو الأمر المشاهد من تعذيب طلاب الدنيا ومحبِّيها ومُؤْثِريها على الآخرة، بالحرص على تحصيلها، والتعب العظيم في جمعها، ومقاساة أنواع المشاقِّ في ذلك، فلا تجد أتعب ممن الدنيا أكبرُ همِّه، وهو حريص بجهْده على تحصيلها. والعذاب هنا هو الألم والمشقة والتعب، كقوله ﷺ: «السفر قطعة من العذاب» (^٢)، وقوله: «إن الميت يُعذَّب ببكاء أهله عليه» (^٣)؛ أي يتألم ويتوجع، لا أنه يعاقب بأعمالهم. وهكذا مَن الدنيا كلُّ همِّه أو أكبرُ همِّه، كما قال النبي ﷺ في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره من حديث أنس ﵁: «من كانت الآخرة

(^١) في م: «يرضون»، وفي ح: «معرّضون». (^٢) أخرجه البخاري (٥٤٢٩)، ومسلم (١٩٢٧) عن أبي هريرة. (^٣) أخرجه البخاري (١٢٨٦)، ومسلم (٥٠٨)

1 / 56