إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان - ط عطاءات العلم

ابن القيم الجوزية ت. 751 هجري
87

إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان - ط عطاءات العلم

محقق

محمد عزير شمس

الناشر

دار عطاءات العلم (الرياض)

رقم الإصدار

الثالثة

سنة النشر

١٤٤٠ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)

مكان النشر

دار ابن حزم (بيروت)

تصانيف

الأمر. وأما توحيد الربوبية ــ الذي أقر به المسلم والكافر، وقرره أهل الكلام في كتبهم ــ فلا يكفى وحده، بل هو الحُجَّةُ عليهم، كما بيّن ذلك سبحانه في كتابه في عدة مواضع. ولهذا كان حق الله على عباده أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئًا، كما في الحديث الصحيح (^١) الذي رواه معاذ بن جبل ﵁ عن النبي ﷺ قال: «أتدري ما حق الله على عباده؟»، قلت: الله ورسوله أعلم! قال: «حقه على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، أتدرى ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟»، قلت: الله ورسوله أعلم! قال: «حقهم عليه أن لا يعذبهم بالنار». ولذلك يُحِبُّ سبحانه عباده المؤمنين الموحِّدين ويفرح بتوبتهم، كما أن في ذلك أعظم لذّة العبد وسعادته ونعيمه، فليس في الكائنات (^٢) شيء غير الله سبحانه يسكن القلب إليه، ويطمئن به، ويأنس به، ويتنعَّم بالتوجه إليه! ومن عبد غيره سبحانه، وحصل له به نوع منفعة ولذة؛ فمضرته بذلك أضعاف أضعاف منفعته، وهو بمنزلة أكل الطعام [٩ أ] المسموم اللذيذ، وكما أن السماوات والأرض لو كان فيهما إله غيره سبحانه لفسدتا، كما قال تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء: ٢٢]، فكذلك القلب إذا كان فيه معبود غير الله فسد فسادًا لا يُرجى صلاحه إلا بأن يخرج ذلك المعبود من قلبه، ويكون الله وحده إلهه ومعبوده الذي يحبه، ويرجوه، ويخافه، ويتوكل عليه، وينيب إليه.

(^١) أخرجه البخاري (٢٨٥٦)، ومسلم (٣٠). (^٢) «في الكائنات» ساقطة من الأصل.

1 / 45