علاقة المعسكر النصراني الصليبي بالمسلمين عبر التاريخ ومنطلقاتها الأساسية
الناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
السنة السابعة
سنة النشر
العدد الثاني شوال ١٣٩٤ هـ ١٩٧٤ م
تصانيف
وَلذَا بقيت بمنأى عَن التلوث بِهَذِهِ الرّوح الخبيثة، الَّتِي دأب رجال الْكَنِيسَة وسواهم من رُؤُوس المعسكر النَّصْرَانِي الصليبي على غرسها وإحيائها فِي شعوبهم وأتباعهم تضليلًا لَهُم وحقدًا على الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين، وَمن ثمَّ دخلت مجموعات من هَذِه الطوائف فِي الْإِسْلَام حِين وَصلهَا وعرفته، كَمَا فعلت طَائِفَة مِنْهُم كَانَت فِي إقليم (البوسنة) تدعى (طَائِفَة البوغوميل) (رفضوا عبَادَة السيدة مَرْيَم، وأبوا نظام التعميد، وأنكروا الصَّلِيب رمزًا دينيًا، واعتبروا الانحناء أَمَام الصُّور الدِّينِيَّة والتماثيل إِنَّمَا هُوَ ضرب من عبَادَة الْأَصْنَام، وكرهوا نواقيس الْكَنَائِس وأطلقوا عَلَيْهَا أبواق الشَّيَاطِين، وَكَانَت دور صلَاتهم على دَرَجَة كَبِيرَة من البساطة والبعد عَن الزِّينَة والزخارف على عكس الْكَنَائِس الكاثوليكية الَّتِي كَانَت تتَمَيَّز بالزخارف الزاهية.. وَفَوق هَذَا كُله كَانَ أَفْرَاد هَذِه الطَّائِفَة يَعْتَقِدُونَ أَن الْمَسِيح نَفسه ﵊ لم يصلب وَلَكِن حل مَحَله شبح آخر، وهم يتفقون مَعَ الْآيَة الْكَرِيمَة الَّتِي جَاءَ فِيهَا ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾ (النِّسَاء: ١٥٧) وَكَانُوا يحرمُونَ على أنفسهم شرب الْخمر ويحرصون على أَن يكون سلوكهم الْخَارِجِي وعلاقاتهم الاجتماعية مبرأة من الْعُيُوب الَّتِي حفلت بهَا المجتمعات المسيحية فِي أوروبا فِي ذَلِك الْوَقْت.
"وَكَانَ من الطبيعي أَن تنظر الْكَنِيسَة شذرًا إِلَى هَذِه الطَّائِفَة ودعت البابوية إِلَى شن حملات صليبية عَلَيْهِم، وَقد تعرضوا لموجات من الاضطهاد العنيف على يَد مُلُوك البوسنة الَّذين كَانُوا يستجيبون إِلَى توجيهات البابوية فِي روما. واستغاثت أَفْرَاد هَذِه الطَّائِفَة بالأتراك العثمانيين فِي الْقرن الْخَامِس عشر لتخليصهم مِمَّا هم فِيهِ من اضطهاد وبؤس وشقاء. وَلما غزا السُّلْطَان مُحَمَّد الفاتح البوسنة فِي سنة ١٤٦٤م انضمت طَائِفَة البوغوميل إِلَى الفاتحين، وَاسْتولى الْجَيْش العثماني فِي خلال أُسْبُوع وَاحِد على مُعظم مدن البوسنة، وعَلى إِثْر الْفَتْح العثماني دخل البوغوميل فِي الْإِسْلَام أَفْوَاجًا بمحض إرادتهم، إِذْ وجدوا الفروق ضئيلة جدا بَين مَذْهَبهم وَبَين تعاليم الْإِسْلَام. أما الْبَقِيَّة الْبَاقِيَة من أَفْرَاد هَذِه الطَّائِفَة فقد
1 / 99