علاقة المعسكر النصراني الصليبي بالمسلمين عبر التاريخ ومنطلقاتها الأساسية
الناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
السنة السابعة
سنة النشر
العدد الثاني شوال ١٣٩٤ هـ ١٩٧٤ م
تصانيف
زعموه لأَنْفُسِهِمْ من وصاية على الْبشر وأوضاعهم وعَلى عُقُولهمْ وأرواحهم، وَمَا فرضوه عَلَيْهِم من حق السخرة وَمَا ابتزوه من أَمْوَالهم ضريبة يؤدونها إِلَى رجال الْكَنِيسَة دون تلكؤ أَو تردد أَو مُرَاجعَة أَو استفسار.. وَهَذَا كُله عدا تعبيدهم لَهُم من دون الله ﵎..
قَالَ تَعَالَى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ .
وَقَالَ رَسُول الله ﷺ: "إِنَّهُم حرمُوا عَلَيْهِم الْحَلَال، وَأَحلُّوا لَهُم الْحَرَام، فاتبعوهم، فَذَلِك عِبَادَتهم إيَّاهُم".
فَكَانَت ذَلِك سَببا أصيلًا وعميقًا فِي كَرَاهِيَة النَّصَارَى - لاسيما رجال كنيستهم - لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمين، وَكَانَ وَرَاء ذَلِك محاولاتهم المستمرة للصد عَن الْإِسْلَام ورد الْمُسلمين عَن دينهم أَو الْقَضَاء عَلَيْهِم وعَلى إسْلَامهمْ..
قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ (الْبَقَرَة: ١٢٠) .
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقّ﴾ (الْبَقَرَة: ١٠٩) .
٢ - ثمَّ نَشأ سَبَب آخر زَاد فِي عمق وتأصيل كَرَاهِيَة النَّصَارَى - لَا سِيمَا رؤوسهم من رجال كنيستهم وملوكهم - لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمين، والجهد فِي حَرْب المعسكر الإسلامي.. هَذَا السَّبَب هُوَ: انطلاق الْإِسْلَام فِي الأَرْض لتحرير النَّاس من الْعُبُودِيَّة لله تعلى وَحده ولإخراجهم من ضيق الدُّنْيَا إِلَى سَعَة الْآخِرَة وَمن جور الْأَدْيَان إِلَى عدل الْإِسْلَام.. واصطدامه بالمعسكر النَّصْرَانِي الصليبي وتحطيمه جيوشه وأنظمته.. والفتوحات الَّتِي أحرزها فِي الْعَالم النَّصْرَانِي نَفسه، وانتزاعه مِنْهُ بِلَاد الشَّام ومصر وشمال إفريقيا، ووثبته على الأندلس وتوغله فِي أوربا من الغرب حَتَّى شَاءَ الله - تَعَالَى - أَن يقف الْمُسلمُونَ فِي تِلْكَ الجولة قَرِيبا من (باريس) عَاصِمَة فرنسا، ثمَّ دُخُوله أوروبا
1 / 97