165

الظاهرة القرآنية

محقق

(إشراف ندوة مالك بن نبي)

الناشر

دار الفكر

رقم الإصدار

الرابعة

سنة النشر

١٤٢٠ هـ -٢٠٠٠م

مكان النشر

دمشق سورية

تصانيف

هذا الحادث العارض يفصل بوضوح فكرة الإنسان عن وحي النبي في ضمير أرمياء، تمامًا كما تفصل المشورة السابقة حديث النبي عن الوحي القرآني. وفضلًا عن ذلك فإن القرآن يثبت تمامًا في النطاق الزمني هذه النسبة بين المصدرين في قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ﴾ [الشورى ٤٢/ ٥٢]. فقوله "ما كنت" أي قبل غار حراء، والنبي في تلك الفترة لم يكن لديه سوى معلوماته الشخصية، وهي معلومات تبدو لنا عديمة الصلة بالوحي القرآني، إذا ما أعطينا الآية المذكورة كل معناها التاريخي والآية تثبت عرضًا - ولكن بطريقة صريحة- مصدر الوحي القرآني بعد حراء، وهو على كل حال ليس قبل (إيحاء الروح) المأخوذ من قوله: ﴿أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا﴾. هذه النقطة ثابتة تاريخيًا، لأن الآية التي ندرسها قد مرت أولًا بشعور النبي، وتعرضت لنقده الذاتي الذي يجيد تمامًا هذا الفصل الضروري لاقتناعه الخاص. وفضلًا عن ذلك فإن القرآن قد دأب على تذكيره، وتأكيد هذا الفصل في آيات كثيرة، وهاك آية تؤدي ما أدته الآية الأولى: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ﴾ [العنكبوت ٤٨/ ٢٩]. فتاريخ الوحي القرآني يبدأ إذن (بعد القرآن) وليس (قبله)، وذلك هو ما توحيه الآية على وجه التحديد. أما من الوجهة النفسية المتصلة بشعور النبي ﷺ، فإن هذه الآية تعزز ما قبلها في فصل السنة المحمدية عن الوحي القرآني.

1 / 170