الظاهرة القرآنية

مالك بن نبي ت. 1393 هجري
130

الظاهرة القرآنية

محقق

(إشراف ندوة مالك بن نبي)

الناشر

دار الفكر

رقم الإصدار

الرابعة

سنة النشر

١٤٢٠ هـ -٢٠٠٠م

مكان النشر

دمشق سورية

تصانيف

وإذا كانت الرحلة المكية في جوهرها عهدًا روحيًا، هو عهد النبي الداعية الذي يرشد المصطفين الأخيار، فإن المرحلة الدنية استمرار للمرحلة الأولى، ونتيجة زمنية لها في وقت واحد، فالنبي والقائد سيتحدان الآن في ذات واحدة تدعو وتقود جموع المؤمنين. وإنه لمن الواجب حقًا أن يتبع فن قيادة الجماهير ما يتصل بنفسية الفرد، فإن مشاكل مجتمع ما لا يمكن أن تحل بالأسلوب الرائق الرشيق فحسب، ولذلك فإن الرسول سيتيح لنا أثناء شغله في حل تلك المشاكل جميعًا أن نكمل صورته النفسية بمظهر عقلي، إذ عندما يضطرم نشاطه يمكن أن نفهم ألوان فكره، وأن نقوِّم نسيج إرادته، وأن نقدر قيمة حكمه على الآخرين وعلى نفسه أيضًا. وإنه لزعم غريب أن نحاول الإحاطة بجوانب هذا المظهر العقلي جميعًا، فذلك يستلزم أن نلم بتاريخ العبقرية الفذة كله في الحدود الضيقة لهذا الفصل. بل إننا سنقتصر على أن نضع بعض المعالم التي تؤدي إلى النتيجة المقصودة من هذا القياس. سيكون شغل النبي الشاغل بالمدينة أن يقر فيها السلام، ويخلصها من خصوماتها الداخلية، ويصلح ما بين الأوس والخزرج، لتنظيم دفاع فعال ضد الأعداء في الخارج: (قريش). إن ساعة الجهاد ستؤذن عما قريب. ولقد كان هذا مثار دهشة وعجب لدى النقاد المحدثين، فهم لا يفهمون أن (الداعية) يدعو هكذا إلى حمل السلاح، ولكن إذا كان النبي قد حمل السيف فلأنه كان يعلم جيدًا أن مكة لن تلقي السلاح، وسيعطيه التاريخ على ذلك البرهان القاطع. ولا مجال هنا لأن نعقد موازنة بين المسيحية والإسلام في هذه النقطة، فإن الظروف التاريخية ليست واحدة، إذ تواجه الأولى من الداخل دولة منظمة

1 / 135