الظاهرة القرآنية

مالك بن نبي ت. 1393 هجري
128

الظاهرة القرآنية

محقق

(إشراف ندوة مالك بن نبي)

الناشر

دار الفكر

رقم الإصدار

الرابعة

سنة النشر

١٤٢٠ هـ -٢٠٠٠م

مكان النشر

دمشق سورية

تصانيف

إن من يعرف حياة الصحراء، يدرك تمامًا ضآلة الفرصة التي كانت أمام النبي وصاحبه للنجاة، ولقد بلغ القافَة فعلًا مدخل الغار، لكنهم لم يتجاوزوا عتبته، وتفسر السيرة هذه الحادثة الغريبة بتدخل معجز لحمامة ورقاء ولعنكبوت واهن. وأية كانت وجهة الأمر، وحتى لو كانت تعليقات السيرة قد أمكنها أن تتدخل في تفسير هذا الحل العجيب، فإن القيمة التاريخية للحادثة ليست بأقل ثبوتًا، فهي- في الواقع- مقررة في أوثق مصادر ذلك العصر، وهو القرآن؛ وقد ورد الحادث صراحة في قوله تعالى: ﴿إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا﴾ [التوبة ٤٠/ ٩]. وواضح من هذا أن القدر قد يمهد سبله بطريقة غير مفهومة أحيانًا، تحير الخواطر والعقول. ونحن نرى لفائدة دراستنا هذه أن نهتم بالتفصيل النفسي في هذه الحادثة التاريخية، ذلك التفصيل الذي تدل عليه سكينة النبي، حين كان يطمئن رفيقه، في هدوء يفوق طاقة البشر، بينما الخطر والموت على قيد خطوات؛ وإن إخلاص النبي الذي نؤكده في هذا القياس الأول بوصفه شرطًا ضروريًا، لاستخدام الآيات القرآنية وثائق نفسية ثابتة، هذا الإخلاص يتجلى هنا بوضوح وبصورة روائية في تلك اللحظة الحاسمة. وأخيرًا، فحينما انسحب المطاردون استطاع المهاجران أن يأخذا طريقهما إلى يثرب موطن الأنصار، الذين أعدّوا لهما استقبالًا عظيمًا، وغيرت مدينة (يثرب)

1 / 133