156

الخطاب القرآني لأهل الكتاب وموقفهم منه قديما وحديثا

تصانيف

وأما ما يترتب على الإيمان بالقرآن الكريم فقد وعدهم الله بإدخالهم في رحمته وفضله، وأنه سيهديهم إلى الطريق المستقيم، ويكفينا ما جاء في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (١٧٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ (١). وقد أمر الله رسوله محمدًا أن يتلوا على أهل الكتاب بعض مواقف أسلافهم من آيات الله، وكيف عاقبهم الله لعل القوم يتذكرون قال تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (١٧٥) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (١٧٦) سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ﴾ (٢). المطلب الثاني: الآيات الواردة في الأمر بالإيمان بالكتب السماوية لقد اتضح مما سبق وجوب الإيمان بالقرآن الكريم، والعمل بما فيه من التعاليم، وهنا نذكر نوعًا آخر من الخطاب القرآني يبين وجوب أخذ ما شرعه الله على أهل الكتاب في كتبهم قبل مجيء القرآن الكريم، وأوجب عليهم الإيمان بما أنزله عليهم من الكتاب، وأن يأخذوا بكل ما في تلك الكتب بجد واجتهاد، وهذا الخطاب ورد في القرآن الكريم على النحو التالي: ١ - قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (٣). وهذه الآية تأمر أهل الكتاب أن يأخذوا بكل ما افترضه الله عليهم في كتبه السابقة التي أنزلها عليهم، وأن يعملوا بما فيها، ومن ذلك الإيمان بالقرآن الكريم كما سبق بيانه؛ لأنه من العهد الموجود في كتبهم الذي أمرهم الله باتباعه. قال الإمام الطبري ﵀ في تفسير هذه الآية: "خذوا ما افترضناه عليكم في كتابنا من الفرائض فاقبلوه، واعملوا باجتهاد منكم في أدائه من غير تقصير ولا توان" (٤).

(١) سورة النساء الآية: (١٧٤ - ١٧٥). (٢) سورة الأعراف الآية: (١٧٥ - ١٧٧). (٣) سورة البقرة الآية: (٦٣). (٤) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن (١/ ٣٢٦) مرجع سابق.

1 / 167