البلاغة الصافية في المعاني والبيان والبديع
الناشر
المكتبة الأزهرية للتراث القاهرة
رقم الإصدار
سنة ٢٠٠٦ م
مكان النشر
مصر
تصانيف
من الأوصاف الشريفة التي لا توجد في الدم، ويسمى مثل هذا التشبيه: تشبيهًا ضمنيًا، لدلالة البيت عليه ضمنًا.
ومثله قول عبد الصمد بن بابك:
تقاعس عنك الفاخرون فأحجموا ... وخيل المغالي غير خيل المواكب
فإن زعم الأملاك أنك منهم ... فخارا، فإن الشمس بعض الكواكب
وقول التهامي:
لقد شرف الرحمن قدرك في الورى ... كما في الليالي شرفت ليلة القدر
وإن كنت من جنس البرايا وفقتهم ... فللمسك نشر ليس يوجد في العطر!
القيمة البلاغية للتشبيه
التشبيه - كما يقول الإمام عبد القاهر الجرجاني - يكسو المعاني أبهة، ويكسبها شرفًا، ويرفع من أقدارها، ويضاعف قواها في تحريك النفوس لها، ويستميل القلوب إليها، ويستنير لها من أقاصي الأفئدة صبابة وكلفًا، ويجبر الطباع على أن تعطيها محبة وشغفًا.
فإن كان مدحًا كان أبهى وأفخم، وإن كان ذمًا كان مسه أوجع، وإن كان حجاجًا كان برهانه أنور، وإن كان افتخارًا كان شأوه أبعد، وإن كان اعتذارًا كان إلى القبول أقرب.
ولهذا فإنه إذا جاء في أعقاب المعاني فإنه يضاعف قواها في تحريك النفوس إلى المقصود بها، والسر في هذا التأثير القوي للتشبيه في النفوس: هو أن الصورة في التشبيه تبرز المعنى الخفي في صورة محسوسة واضحة جلية تطمئن إليها النفس وتأنس لها، لأنها بذلك قد خرجت من الخفي إلى الجلي، ومن المعقول إلى المحسوس، ومما تعلمه إلى ما هي به أعلم، بل ومما لم تألفه إلى ما ألفته، فمهما عبرت عن المعنى بعبارة تؤديه وتبالغ فيه فإنك لن تبلغ به ما يبلغه عن طريق التشبيه، فلو حاولت وصف يوم - مثلًا - بالقصر، فقلت: "يوم كأقصر ما يتصور"، فإن السامع لن يجد في هذه المبالغة ما يجده في قول الشاعر:
ظللنا عند باب أبي نعيم يوم مثل سالفة الذباب
1 / 20