البلاغة الصافية في المعاني والبيان والبديع
الناشر
المكتبة الأزهرية للتراث القاهرة
رقم الإصدار
سنة ٢٠٠٦ م
مكان النشر
مصر
تصانيف
مثلًا - يمكن أن تعبر عنه بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه، فتارة تعبر عنه بطريق التشبيه فتقول: (محمد كالبحر في العطاء)، وتقول: (محمد كالبحر) وتقول: (محمد بحر)، فتلك ثلاثة تراكيب دلت على معنى الكرم، وبعضها أوضح في الدلالة عليه من بعض، فأوضحها: ما صرح فيه بوجه الشبه والأداة جميعًا - كما في المثال الأول - ويليه في الوضوح: ما صرح فيه بأحدهما - كما في المثال الثاني - وأقلها وضوحًا ما لم يصرح فيه بواحد منهما - كما في المثال الثالث -.
وتارة تعبر عنه بطريق المجاز، فتقول: (رأيت بحرًا في منزلنا) تريد: محمدًا - مثلًا - فتشبهه بالبحر، ثم تستعير له لفظ "البحر".
ونقول: (لجة محمد تتلاطم بالأمواج) فاللجة والتلاطم بالأمواج من أوصاف البحر، وهذا دليل على أنك قد شبهت محمدًا بالبحر.
وتقول: (غمر محمد بفضله الأنام)، فالغمر من أوصاف البحر، مما يدل - أيضًا - على أنك قد شبهت محمدًا بالبحر.
والمثالان الأخيران من قبيل الاستعارة المكنية.
وأوضح هذه الطرق: الأول، ويليه وضوحًا: الثاني، وأقلها وضوحًا: الثالث.
أما أن الأول أوضحها فلظهور التجوز فيه بسبب التصريح باسم المشبه به، وأما الثاني والثالث فلخفاء التجوز فيهما لعدم التصريح باسم المشبه به، غير أن الثاني أوضح دلالة من الثالث لاشتماله على وصفين للمشبه به، واشتمال الثالث على وصف واحد ..
وتارة أخرى تعبر عنه بطريق الكناية، فتقول: (محمد كثير الرماد) و(هو مهزول الفصيل) و(هو جبان الكلب).
فتلك ثلاثة تراكيب قد دلت على معنى الكرم، وذلك لأن كثرة الرماد إنما تكون من كثرة إحراق الحطب للطبخ للضيفان، وهزال الفصيل إنما يكون بإعطاء لبن أمه للضيوف، أو بذبح أمه لهم، وجبن الكلب إنما يكون من كثرة الواردين عليه من الضيوف.
1 / 16