البلاغة الصافية في المعاني والبيان والبديع

حسن إسماعيل عبد الرازق ت. 1429 هجري
154

البلاغة الصافية في المعاني والبيان والبديع

الناشر

المكتبة الأزهرية للتراث القاهرة

رقم الإصدار

سنة ٢٠٠٦ م

مكان النشر

مصر

تصانيف

ولو أنه ذكر المفعول، فقال: قد طلبنا لك مثلًا، لناسب أن يقول بعد ذلك: فلم نجده، لأن المقام - حينئذ- يكون للضمير لتقدم مرجعه، فيفوت المقصود وهو إيقاع الفعل المنفي على صريح لفظ المفعول الدال صراحة على عدم وجود المثل وذلك أنسب بمقام المدح. ويمكن أن يكون الغرض من حذف المفعول في البيت المذكور هو: التحرج من مواجهة الممدوح بطلب مثل له، مبالغة في التأدب معه تعظيمًا له. ويمكن - أيضًا - أن يكون الغرض هو البيان بعد الإبهام، لأن المطلوب أبهم أولًا، ثم بين أنه المثل، ولهذا أثر حميد في النفس. د- قصد التعميم في المفعول مع الاختصار، وذلك كقولك: قد كان منك ما يؤلم: أي: كل أحد، وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ﴾ [يونس: ٢٥]، أي جميع المكلفين. هـ- استهجان التصريح بالمفعول، كما في قول عائشة ﵂: "ما رأيت منه ولا رأى مني" تريد العورة. و- رعاية الفاصلة في النثر أو مراعاة الوزن في النظم: أما الأول فكقوله تعالى: ﴿وَالضُّحَى (١) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (٢) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ [الضحى: ١ - ٣] أي: ما قلاك، فحذف المفعول محافظة على الروى حتى يتوافق مع ما قبله وما بعده. وأما الثاني فكما في قوله الشاعر: بناها فأعلى والقنا يقرع القنا ... وموج المنايا حولها متلاطم يقصد: فأعلاها، ولكنه حذف المفعول محافظة على وزن البيت. ز- قصد الاختصار المجرد عن أي اعتبار، وذلك كما في قولهم: أصغيت إليه، أي أذني، وأغضيت عنه، أي: بصري، فحذف المفعول - في المثالين- لمجرد الاختصار. ومنه قوله الله تعالى - على لسان موسى ﵇: ﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٤٣] أي: ذاتك.

1 / 154