121

السيرة النبوية بين الآثار المروية والآيات القرآنية

تصانيف

ورسولي سميته المتوكل» (١) وآيات القرآن الكريم مليئة بالكلام على التوكل والمتوكلين، الذي يؤكد أن رسول الله ﷺ هو معلمهم التوكل كما علمهم الإيمان وغيره من أمور الدين اعتقادًا وعملًا وسلوكًا.
وإذا أشرنا إلى ما يوضح عصمة النبي ﷺ والأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - من كيد الشيطان وتسلطه، نأتي إلى ما يتعلق بوسوسة النفس، أو بأمرها الإنسان بالسوء، ترى ينطبق على الإنسان المؤمن الكامل فضلًا عن الرسل - عليهم الصلاة والسلام - أن توسوس له نفسه بما يخالف الشرع، ويوقع في غضب الرب ﷾، أو في التقصير في حقوقه، لنرجع إلى قصة يوسف ﵇ ننظر فيها ما يتعلق بالنفس، ومدى حملها الإنسان على المخالفة، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣)﴾ [يوسف: ٥٣].
ظاهر ترتيب الكلام أنه من كلام امرأة العزيز (٢)، مضت في بقية إقرارها فقالت: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي﴾ وذلك كالاحتراس مما يقتضيه قولها عن يوسف ﵇: ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾ من أن تبرئة نفسها من هذا الذنب ادعاء بالبراءة العامة فقالت: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي﴾، فالواو استئنافية، والجملة ابتدائية، وجملة: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾ تعليل لجملة ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي﴾، أي لا أدعي براءة نفسي من ارتكاب الذنب؛ لأن النفس كثيرة الأمر بالسوء، ثم

(١) انظر الطاهر بن عاشور (٢٧٨، ٢٧٩/ ١٤)، والحديث رواه البخاري (١٩٨١) عن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما.
(٢) انظر العلامة بن عاشور "التحرير والتنوير" (٥/ ١٣)، والاحتمال الثاني في الآية - وقد ذكره جمع من المفسرين منهم ابن عاشور نفسه - أنه من كلام يوسف في قوله "ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب" وهذا لا يستقيم مع ما قدمنا من أن العزيز في وقتها قال ليوسف: "أعرض عن هذا" وقال لزوجه: "واستغفري لذنبك" فأين عدم علمه بخيانة يوسف، بل هو متأكد من خطأ زوجه أمام يوسف، وبراءة يوسف في نفس الآن، وكان يوسف ﵇ في السجن والنسوة في حضرة الملك، فكيف يصح؟!.

1 / 126