السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي
الناشر
مؤسسة الرسالة
رقم الإصدار
الأولى ١٤٢٤هـ
سنة النشر
٢٠٠٣م
تصانيف
ومما زاد من ضلال نظرة العرب في الواسطة ما كانوا يسمعون من أصوات تصدر من الأصنام والبيوت، ومن رؤيتهم لخيالات الجن قرب معبوداتهم؛ وبذلك تأكدت فكرتهم عن الواسطة، وبمرور الأيام أصبحت هذه الفكرة عقيدة أساسية وما استبعدوا أن يكون الرسول بشرا إلا لاستحالة اتصال البشر بالله من غير واسطة في نظرهم، وكأنهم كانوا يريدون واسطة بين الرسول والله، من نوع معبوداتهم الموضوعة عند الكعبة وحولها، رغم صغر مساحتها لتكون في رعاية الله الأكبر، وعلى مقربة منه.
وكانت هذه العقيدة وذاك الخلط يعيشان عادة عند العرب، فهم يحجون الكعبة، ويطوفون بها، وبعدها يختمون حجهم بالتقرب للصنم، فيحلقون رءوسهم عنده، ويذبحون عتائرهم أمامه١، ويبدو أن سبب ذلك هو بقايا من مناسك دين إبراهيم ﵇ تقادم بها الزمن فشابتها بعض العبادات المبتدعة، هذه البقايا جعلتهم يعظمون البيت، ويطوفون به، ويحجون، ويعتمرون، ويقفون بعرفة، ويهلون بالحج والعمرة٢.
ولعل في تسمية مكة "أم القرى" على الرغم من وقوعها في وادٍ غير ذي زرع إشارة إلى اهتمام العرب بقداسة الكعبة، أول بيت وضع للناس، وأحد مواريث إبراهيم ﵇.
وقد سخر بعض عقلاء العرب من هذا الخلط فنظروا إلى مسلك أقوامهم مع الأصنام فوجدوه لهوا لا يفيد، وعبثا من غير فكر دقيق، وعندئذ أخذوا يلتمسون الصواب في الدين.
ولقد حكى ابن هشام عن أربعة منهم هم: ورقة بن نوفل، وعبيد الله بن جحش، وعثمان بن الحويرث، وزيد بن عمرو بن نفيل، وأنهم اجتمعوا في عيد لهم
_________
١ أخبار مكة ج١ ص٧٣.
٢ الأصنام ص٦.
1 / 49