السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني
الناشر
مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى ١٤٢٤هـ
سنة النشر
٢٠٠٤م
تصانيف
بيت النبي، يرصدونه حتى ينام، فيثبون عليه، فأخبر جبريل ﵊ رسول الله ﷺ بمؤامرة القوم، وأمره أن لا يبيت هذه الليلة على فراشه الذي يبيت عليه، فقال رسول الله ﷺ لعلي بن أبي طالب: "نم على فراشي، وتسج ببردي هذا الحضرمي الأخضر، فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم" ١.
ولقد نجحت هذه الخطة نجاحًا واضحًا، فلقد رأى رجل رسول الله ﷺ وهو يخرج من بيته، ويضع على رءوسهم التراب، فجاء للفتيان وقال لهم: خيبكم الله، قد والله خرج عليكم محمد، ثم ما ترك فيكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه ترابًا، أفما ترون ما بكم؟
فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب فظنوه بسبب الريح، أو بغيره، ولم يصدقوا الرجل في مقالته، واستمروا على ظنهم أن رسول الله ﷺ لم يخرج لرؤيتهم رجلا على فراش رسول الله ﷺ وكانوا ينظرون في الفراش بين الفينة والفينة فيجدون شخصًا مسجًا ببرد رسول الله، فيظنونه نائمًا ولذلك استمروا في مكانهم.
فلما جاء الصباح، وقام علي من نومه وخرج عليهم، علموا أنهم قد خدعوا، وقال بعضهم لبعض: لقد صدقنا الذي حدثنا٢.
ونلاحظ دقة التخطيط وحسن الاختيار في مبيت علي ﵁ مكان رسول الله، فلقد اختار رسول الله ﷺ ابن أخيه لينام مكانه لما في مبيته من تضحية، والموت فيها وارد، وما دام الأمر هكذا فلتكن التضحية بالأهل والأقارب أما في صحبة الهجرة فلقد اختار الرسول ﷺ أبا بكر ﵁ ليعلم الجميع أن غاية رسول الله ﷺ تبليغ رسالته التي كلف بها، ولو كان يقصد الزعامة لأخذ نفرًا من قبيلته مثل علي بن أبي طالب، أو حمزة بن عبد المطلب أو غيرهما.
ومن قدر الله أن الرجال الذين أحاطوا ببيت النبي ﷺ انصرفوا عن اقتحامه وبقوا خارج الدار حتى الصباح، ولم يتعجل أهل مكة خبر مقتل محمد مع أن
_________
١ تهذيب السيرة ص١١٢.
٢ سيرة النبي لابن هشام ج١ ص٤٨٣ بتصرف.
1 / 71