السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني
الناشر
مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى ١٤٢٤هـ
سنة النشر
٢٠٠٤م
تصانيف
صحيح البخاري بخطه يقول: أمر المدينة في طيب ترابها وهوائها يجده من أقام بها ويجد لطيبها أقوى رائحة، ويتضاعف طيبها فيها عن غيرها من البلاد، وكذلك العود وسائر أنواع الطيب١.
وهكذا خلت المدينة من الوباء، وحسن حالها، واستقر أمر المسلمين بها، وصارت حاضرة الإسلام الأولى بعد الهجرة إليها.
٥- وسطية المدينة:
تقع المدينة المنورة وسط العالم كمكة؛ لأنها قريبة منها، وأغلب سكانها عرب، ولغتهم هي العربية، وقد ساعد قرب المدينة من مكة أن يعرف الرسول ﷺ أخبار المكيين، أمل الدعوة وأسسها وركيزتها، فهم الذين يدين لهم العرب جميعًا بالسيادة، ويتخذونهم القدوة والأسوة، ولأنهم منذ القدم حماة بيت الله وسدنته، ومقصد أهل الجزيرة حيث يأتون إليهم حاجين ومعتمرين، وقد ترك فيهم إبراهيم ﵇ وحي الله ودينه وقد بوأهم رسول الله ﷺ منزلتهم وهو يقول: "قريش ولاة هذا الأمر فبر الناس تبع لبرهم وفاجرهم تبع لفاجرهم" ٢.
ولم تغب مكة عن فكر رسول الله ﷺ بعد الهجرة، ولم ينس أهلها ولذلك حرص الرسول ﷺ على معرفة أسرارهم، وأخبارهم، ومعرفة نقاط الضعف لديهم وإذا كان ﷺ مكث بينهم يدعوهم إلى الله تعالى ثلاثة عشر عامًا، وعجز عن إدخالهم في الإسلام، فإنه بعد الهجرة أخذ يحاول في إيمانهم؛ لأنهم شعب كثير، قوي يمكنه خدمة الإسلام بما يملك من إمكانيات واسعة، وثقة كبيرة يوليها العرب لهم.
وتبرز أهمية أهل مكة وإمكاناتها الدعوية، فيما حدث للإسلام بعد فتح مكة إذ خرج من المكيين للجهاد في "حنين" آلاف، ولم يمض على إسلامهم عام واحد،
_________
١ فتح الباري على صحيح البخاري ج٤ ص٨٩.
٢ مسند الإمام أحمد مسند أبي بكر الصديق ج١ حديث رقم ١٨ ص١٩٩ ط الرسالة وانظر صحيح البخاري كتاب المناقب ج٦ ص٨٥.
1 / 31