مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي
الناشر
دار الفكر المعاصر-بيروت لبنان / دار الفكر
رقم الإصدار
١٤٢٣هـ = ٢٠٠٢م / ط١
مكان النشر
دمشق سورية
تصانيف
فحينًا تكون القمة لثقافة من تلك الثقافتين والحضيض للأخرى، وحينًا يكون العكس، وبينهما في المراحل الوسيطة نسجِّل فتراتِ إخصابٍ متبادل يَكتنفها لحظات اختلاط في البابليَّات التاريخية كما هو عصر بابل القرن العشرين (١).
تلكم هي الحضارة في أحيانها وتقلباتها: تكون في الأوج حضارةً تتركز فيها الأشياء حول فكرة حينًا، وحينًا تبلغ الأوج حضارةً أخرى تتركز فيها الأفكار حول الشيء.
وتبدو هذه الظاهرة بجلاء عندما يعبر الفكر عن نفسه بحرية كاملة، وتِلْقائيَّة تامة، دون مواربة أو سراديب بلاغية، وبتواصلٍ مباشر مع جذور الثقافة.
والأدب الشعبي كاشف في هذا المجال. بل الأدب في عمومه حتى المتَكلَّفُ منه يحمل مع ذلك تلك الخاصيَّة الشعبيَّة في طبيعة موضوعه.
وليس كالقصة تُجَلِّي عُمْقَ تلك الجذور.
ويمكن لتوضيح ما أسلفنا أن نأخذ نموذجًا: قصتين: الأولى (روبنسون كروزو) والأخرى (حي بن يقظان).
فبطلا القصتين المنعزلان؛ هما في الحقيقة المثلان اللذان يُعبِّران بوضوح عن نَمَطَي الثقافة.
_________
(١) بابل مدينة قديمة جدًا (القرن الثالث والعشرون قبل الميلاد) قامت في بلاد ما بين النهرين (على بعد ١٦٠ من موقع بغداد الحالي). يحكى أن أهلها بنوا فيها برجًا عظيمًا أرادوا بواسطته أن يبلغوا السماء. فغضب الله عليهم وبذر الشقاق بينهم بإدخال تعدُّديَّة الألسن. فتخاصموا وتفرّقوا في البلاد وفشلوا في بناء البرج. وتستعمل عبارة (برج بابل) للدلالة على الفوضى والغموض والضياع التي تصيب قيمًا من الأقوام.
1 / 19