وقال أيضًا: "فليس في علماء المسلمين من يقول إنه يستغاث بالمخلوق في كل ما يستغاث الله فيه، ولا من يقول إن الميت يستغاث به في كل ما يستغاث بالله فيه.
بل قول القائل: إن الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى لا تُطلب إلا منه، متفق عليه بين علماء المسلمين، وما علمت إلى ساعتي هذه أحدا من علماء المسلمين الذين يستحقون الإفتاء نازع في هذا، بل ثبت عندي عن عامة من بلغني كلامه من علماء المسلمين الموافقة على هذا، وإنما عُرف نزاع بعضهم في السؤال به.
وأما الشيوخ الذين يسألون الميت فهؤلاء ليس فيهم أحد ممن يرجع المسلمون إلى فتياه، وإنما فعلوا نظيره، والفقيه قد يفعل شيئا على العادة وإذا قيل له: هذا من الدين؟ لم يمكنه أن يقول ذلك، ولهذا قال بعض السلف: لا ينظر إلى عمل الفقيه ولكن سله يصدقك" (^١).
وقال أيضًا: "فإنا بعد معرفة ما جاء به الرسول نعلم بالضرورة انه لم يشرع لأمته أن تدعو أحدًا من الأموات لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم لا بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها، ولا بلفظ الاستعاذة ولا بغيرها، كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت ولا لغير ميت ونحو ذلك، بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور، وأن ذلك من الشرك الذي حرمه الله تعالى ورسوله، لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يكن تكفيرهم بذلك حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول
ﷺ مما يخالفه، ولهذا ما بيَّنت هذه المسألة قط لمن يعرف أصل الإسلام إلا تفطّن، وقال: هذا أصل دين الإسلام، وكان بعض الأكابر من الشيوخ العارفين من أصحابنا يقول: هذا أعظم ما بيّنته لنا لعلمه بأنّ هذا أصل الدين" (^٢).
وقال أيضًا: "فأمَّا [ما] يُسمِّيه كثيرٌ من الناس زيارةً هي من جنس الإشراكِ بالله وعبادة غيرهِ، مثل السجود لبعض المقابر التي يُقال إنها من قبور الأنبياء والصالحين وأهل البيت أو غيرهم ويسمُّونها المشاهد، أو الاستعانة بالمقبور ودعائِه ومسألتِه قريبًا من قبره أو بعيدًا منه مثل ما يفعل كثير من الناس، فهذا كلُّه من أعظم المحرَّمات بإجماع المسلمين، وهو من جنس الإشراك بالله تعالى، فإن المسلمين متفقون على أنه لا يجوز لأحدٍ أن يدعوَ أحدًا ويتوكَلَ عليه ويرغبَ إليه في المغفرة والرحمةِ وتفريج الكُرباتِ وإعطاءِ الطلباتِ إلا الله وحده لا شريك له" (^٣).
_________
(^١) الرد على البكري (٢/ ٥٩٥ - ٥٩٦).
(^٢) المصدر السابق (٢/ ٧٣١).
(^٣) جامع المسائل (٣/ ٣٧ - ٣٨) تحقيق: محمد عزير شمس، دار عالم الفوائد.
1 / 20