يريح على الليل أضياف ماجد ... كريم، ومالي سارحا مال مقتر١
أيهلك معتم وزيد ولم أقم ... على ندب يوما ولي نفس مخطر٢
وهي تلك الثورة التي كانت تدفعه إلى مهاجمة الأغنياء البخلاء ليوزع ما يغنمه منهم على الفقراء الذين كانوا يلتف ون حوله، ويلوذون، في سني الجدب والقحط والجفاف٣. وهو -قبل هذا كله- صاحب هذه الأبيات الجميلة التي يصور فيها كرمه تصويرا رائعا على حظ كبير من الإنسانية، فيراه مشاركة الفقراء له في إنائه، واكتفاءه هو بالماء الخالص في أيام الشتاء الباردة ليوفر طعامهم، بل يراه تقسيما لجسمه في أجسامهم حتى أصبح هزيلا شاحبا:
إني امرؤ عافى إنائي شركة ... وأنت امرؤ عافي إنائك واحد
أتهزأ مني أن سمنت وقد ترى ... بجمسي مس الحق، والحق جاهد
أُقسِّم جسمي في جسوم كثيرة ... وأحسو قراح الماء والماء بارد٤
وتنتشر أحاديث هذا الكرم في شعره انتشارا واسعا٥، حتى لتكاد كل صفحة من ديوانه تنطق بهذه الأحاديث التي كان يراها:
أحاديث تبقى، والفتى غير خالد ... إذا هو أمسى هامة فوق صير٦
وهي أحاديث كان كل صعلوك يحرص على أن تبقى له بعد موته. وفي قافية تأبط شرا المفضلية المشهورة دفاع قوي عن كرمه وإسرافه اللذين جرا عليه كثيرا من اللوم والعذل والتأنيب:
_________
١ ديوانه/ ٨٥ - والأصمعيات/٣٠.
٢ ديوانه/ ٨٣ - والأصمعيات/ ٣٠.
٣ انظر الأغاني ٣/ ٧٨-٧٩.
٤ ديوانه/ ١٣٨-١٤١.
٥ انظر على سبيل المثال ديوانه/٦٠، ٦١، ٦٢، ٧١، ٧٢، ٨٥، ٩٥، ٩٦، ١٣٨، ١٣٩، ١٤٠، ١٤١، ١٥٥، ١٦٤، ١٦٥، ١٦٦، ١٦٧، ١٨١.
٦ ديوانه/ ٦٤ - ولسان العرب: مادة "صير" - والصير: القبر.
1 / 38