ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي

سفر الحوالي ت. غير معلوم
90

ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي

الناشر

دار الكلمة

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م

تصانيف

والآيات في ذلك كثيرة معروفة. كما أن من أعظم أخطاء الأمم الشركية أنها جعلت الوسائط والأسباب المخلوقة غايات ومرادات معبودة - وهذا الذي كثر الحديث عنه في القرآن - سواء اعتقدوا أن هذا السبب يوصل إلى الله تعالى تقربًا وتألهًا أو يوصل إلى شيء من الرزق والفضل الذي هو بيد الله وحده (١) . ولهذا قالوا: «مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى» [الزمر: ٣] وقالوا: «هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ» [يونس: ١٨] وأبطل الله ﷿ في مواضع كثيرة من كتابه - الشرك كله، سواء أكان في الغاية أو الواسطة، فحقيقة الشرك - على اختلاف صوره ومذاهبه - هي الوقوف بالإرادات عند غاية دون الله ﷿، أو الإنقطاع إلى أسباب من خلق الله ﷿ وصنعه. وبيّن أن ذلك من المشركين تخبط في الوهم وتعلق بالسراب. «مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ» [يوسف: ٤٠] «إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ» [العنكبوت: ٤٢] «وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ» [يونس: ٦٦] وهذه قضية من أوضح قضايا التصور السلفي وأجلاها، وأصلها أن الناس لو عقلوا عن الله ﷿ كلامه وقاموا لله مثنى وفرادى، ثم تفكروا، لوجدوا أنه ما من شيء يتوهمونه مرادًا وغاية لذاته، أو سببًا في حصول المرادات وتحقق الغايات، إلا هو مستلزم لسبب آخر وراءه، وما تزال الغايات والأسباب تتسلسل حتى تنتهي إلى الغاية التي ليس وراءها مطلب، والمصدر الذي ليس وراءه سبب وهو الله تعالى.

(١) توحيدها مجموع كله في قوله تعالى: «إياك نعبد» [الفاتحة: ٥] . وتوحيد الأسباب والوسائل مجموع في قوله: «وإياك نستعين» [الفاتحة: ٥] (٢) وسيأتي إيضاح موضوع " الأسباب والوسائط " مستقلًا

1 / 97