المستشرقون والسيرة النبوية
الناشر
دار ابن كثير للطباعة والنشر والتوزيع - دمشق
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٦ هـ
مكان النشر
بيروت
تصانيف
حتى لا يدري ما يقول «١» . وجيء بخباب بن الأرتّ فجعلوا يلصقون ظهره بالأرض على الرضف حتى ذهب ماء متنه، ويقول خباب نفسه: لقد رأيتني يوما وقد أوقدوا لي نارا ثم سلقوني فيها، ثم وضع رجل رجله على صدري فما أتيت الأرض إلّا بظهري، ولولا أني سمعت رسول الله ﷺ يقول:
«لا يتمنّينّ أحدكم الموت» لتمنّيته!! «٢» .
وقد بلغ من شدّة الاضطهاد أن بعض المسلمين قد تضعضعوا أمام المحنة ولم يطيقوا تحمل الأذى والاضطهاد، وأنهم أبدوا شكّهم في نصر الله الموعود للمسلمين، فنزلت الآيات ١١- ١٥ من سورة الحج تحمل على هذا النوع من الناس بأسلوب عام حملة لاذعة:
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) «٣» .
عن سعيد بن جبير، قال: قلت لعبد الله بن عباس: أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله ﷺ من العذاب ما يعذرون به في ترك دينهم؟
قال: نعم! والله إن كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه وما يقدر أن يستوي جالسا من شدة الضرب الذي نزل به «٤» .
ولعل (وات) كان يمهّد بوجهة نظره تلك (لنفي) آخر لواحدة من وقائع السيرة المكية المعروفة تماما: إن هجرة المسلمين إلى الحبشة كانت بسبب الاضطهاد.. لكي يطرح بدلا من ذلك شكّه في هذا السبب، ويقدّم بديلا عنه: محاولة الرسول ﷺ تفادي انشقاق كاد يقسم المسلمين حزبين!!
_________
(١) المصدر السابق نفسه: ١/ ١٥٨- ١٥٩.
(٢) المصدر السابق نفسه: ١/ ١٧٨.
(٣) دروزة: سيرة الرسول: ١/ ٢٨٣- ٢٨٤.
(٤) ابن هشام: تهذيب، ص ٧٢، البلاذري: أنساب: ١/ ١٩٧.
1 / 62