قول الفلاسفة اليونان الوثنيين في توحيد الربوبية
الناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
العدد ١٢٠ - السنة ٣٥
سنة النشر
١٤٢٣ هـ/٢٠٠٣ م
تصانيف
فكذلك ولله المثل الأعلى بالنسبة لله ﷿ فإن هذه المخلوقات بما فيها من بديع الصنع ودقيق التركيب وحسن النظام دليل على أن موجدها لابد أن يكون له كل صفات الكمال والجلال حتى يتأتى إيجاد هذه المخلوقات بهذه الصفة العجيبة، لأن من البدهي أننا لا يمكن أن نسند صنع الطائرة إلى رجل معتوه أو عاجز فضلًا عن أن نعزو وجودها إلى ميت أو جماد أو إلى ما لا وجود له حقيقي كما هو زعم الفلاسفة بإثبات الوجود المطلق لله وهو وجود ذهني لا حقيقة له في خارج الذهن.
فهذا كله مما يمنعه العقل ويحيله بل يوجب أن يكون تناسب بين الفعل والفاعل من ناحية الصفات، فالفعل العظيم يدل على فاعل عظيم، والفعل الحقير يدل على فاعل ضعيف، فهذه السماوات والأرضين وهذه المخلوقات ظاهرها وخفيها جليلها ودقيقها دليل على أن خالقها مستحق لكل صفات الكمال والجلال والعظمة.
٦ - أن ما ذكره الفلاسفة في وصفهم لله ﵎ كلام فاسد، لايعدو أن يكون إثباتًا لشيء ليس هو بشيء وذلك يتضح من وجوه:
أولًا: قولهم: إن الله ﵎ عقل، ذلك يعني أن الله فكر أو فكرة أو شيء معقول أو يَعْقِل ويُعْقَل، وهذا كله إثبات لمعنى بدون ذات، وهو أمر لا يعقل ولا يفهم، إنما المفهوم منه أنه لا ذات له جل وعلا، وكل ما لا ذات له لا وجود له، أو لا وجود له بنفسه، بل يكون قائمًا في غيره أو صادرًا عن غيره مثل الأفكار والكلام فهي معاني وصفات تقوم بغيرها ولا تقوم بنفسها، والفلاسفة ينفون أن يكون الله قائمًا بغيره أو صادرًا عن غيره، فيكون مرادهم أنه لا ذات له، وهذا نفي لوجوده وهو قول يتناقض تمامًا مع دعوى وجوده ودعوى صدور العالم عنه كما سيأتي. فيتفقون بذلك مع الملاحدة منهم وهم نفاة وجود الله ﵎.
1 / 218