النقص من النص حقيقته وحكمه وأثر ذلك في الاحتجاج بالسنة الآحادية
الناشر
الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
السنة ٢٠-العددان ٧٧-٧٨ محرم
سنة النشر
جماد الآخر ١٤٠٨هـ/١٩٨٨م
تصانيف
وأجيب عن هذا الدليل:
بأن التخصيص لم يتأخر عن هذه الآية بل اقترن بها، ويدل على ذلك قول الملائكة: ﴿إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِين﴾ فإن هذا تعليل للهلاك دل على تخصيص الهلاك بالظالمين، وأن من لم يكن ظالمًا لا يدخلِ ضمن من يلحقهم الهلاك، ولم يكن لوط ومن معه ظالمين.
ثم إن بين قول الملائكة: ﴿إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ﴾ وبين قولهم: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَه﴾ لم يتخلل إلا سؤال إبراهيم بقوله: ﴿إِنَّ فِيهَا لُوطا﴾ والتخلل بمثل هذا لا يعد - تأخيرا، لأن مثل هذا يجري فيما بين المبين والبيان كالتخلل بانقطاع نفس، أو سعال - مثلًا - مع أنة يعتبر مقارنًا.
فسؤال إبراهيم ﵇ ينزل منزلة ذلك، فلا يجعل التخصيص متأخرًا، ولأنه لو لم يكن لبادر بالّسؤال لبادر الملائكة بالبيان والتخصيص. فلا دليل في الآية على جواز تأخير التخصيص١.
٣ - قال الله تعالى لنوح ﵇: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ ...﴾ الآية٢ فالأهل بعمومه كان شاملًا للابن ثم خرج ابنه بقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ﴾ ٣ وكان هذا الإخراج متراخيًا بعد أن نادى نوح ربه فقال: ﴿رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾ ٤ فقال تعالى: ﴿يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح﴾ ٥.
فتأخير تخصيص الأهل في هذه الآية الكريمة يدل على جواز التخصيص بالمتراخي٦.
وأجيب عن هذا الدليل:
بأن قوله تعالى: ﴿يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ ليس تخصيصا تراخي عن العام وإنما هو أحد أمرين:
الأمر الأول: أنه بيان للمجهول؛ لأن الأهل شاع في مفهومين: النسب كالابن والزوجة وغيرهما والأتباع الموافقون، وإذا كان المفهوم الأول معروفًا غنيًا عن الاستدلال فإن
_________
١ المرجع السابق (٣/٥٢-٥٣)
٢ هود ة ٤٠.
٣ هود ٤٦.
٤ هود. ٤٦
٥ راجع: تفسير ابن كثير (٢/٤٤٨،٤٤٩) والشهاب على البيضاوي (٥/ ٩٧-١٠٣) .
٦ راجع المستصفى (١/ ٣٧١-٣٧٢) .
1 / 34